الغارديان: موسكو قد تلعب دورا محوريا في أي اتفاق بشأن مستقبل البرنامج النووي الإيراني
ذكر خبراء سياسيون فرنسيون متخصصون في شؤون الشرق الأوسط أن الهجوم الكلامي العنيف الذي شنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يُعدّ تجاوزاً دبلوماسياً غير مسبوق يعكس عمق التوترات السياسية بين باريس وتل أبيب، في وقت تشهد فيه العلاقات الثنائية تقلبات حادة على خلفية تطورات الملف الفلسطيني، خصوصًا مع حديث فرنسا عن احتمال الاعتراف بدولة فلسطينية خلال مؤتمر دولي في نيويورك يونيو المقبل.
ومثّلت تصريحات نتنياهو، التي وصف فيها ماكرون بأنه "يرتكب خطأ جسيماً" وأن إسرائيل "لا تحتاج دروساً أخلاقية" من فرنسا، تصعيداً فظاً وغير معتاد في لغة الخطاب بين شريكين تاريخيين. واللافت أكثر هو استخدامه المقارنات مع "كورسيكا وكاليدونيا الجديدة وغويانا الفرنسية"، في تلميح ضمني إلى أن فرنسا تتبنى معايير مزدوجة بشأن السيادة الوطنية.
ولم يقف الأمر عند التصريحات الرسمية، بل تجاوز ذلك إلى هجوم شخصي من يائير نتنياهو، نجل رئيس الحكومة، الذي خاطب ماكرون قائلاً عبر منصة "إكس": "اذهب إلى الجحيم!"، وهي عبارة أثارت موجة استياء في باريس وداخل أوساط الدبلوماسية الأوروبية.
ورغم إدانة نتنياهو العلنية لعبارة نجله، فإنه دافع ضمناً عن مضمونها، ما اعتُبر في باريس إشارة إلى أن هذا السلوك ليس معزولاً بل يعبر عن مزاج رسمي داخل الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تميل أكثر فأكثر إلى اليمين المتطرف وترفض أي خطوات دولية تعتبرها ضغطاً للاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولة.
وفي بيان لها، أعربت وزارة الخارجية الفلسطينية عن "إدانتها الشديدة للهجوم غير المبرر والتصريحات المسيئة التي أدلى بها نتنياهو ونجله بحق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون".
تصريحات ماكرون لم تكن عشوائية، بل جاءت في سياق دبلوماسي مدروس، عبّر فيه عن استعداد فرنسا للاعتراف بدولة فلسطينية ضمن إطار أوسع يشمل اعتراف دول عربية بإسرائيل، وهي خطوة تهدف إلى كسر الجمود في ملف السلام وتحفيز المسار السياسي.
لكن ذلك لم يُرضِ القيادة الإسرائيلية التي باتت ترى أي تحرك دولي خارج مظلتها الأمنية والعسكرية تهديداً مباشراً لأمنها القومي، لا سيما في ظل اتساع رقعة الانتقادات الدولية لسياسات الاحتلال، خاصة منذ الحرب الأخيرة على غزة.
وقال فابريس بالانش، أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة ليون، لـ"إرم نيوز"، إن رد فعل نتنياهو يعكس "انزلاقاً أيديولوجياً" في الخطاب الرسمي الإسرائيلي، وأن تصعيده ضد ماكرون لا يستهدف فقط فرنسا، بل يُوجه رسالة لكل الدول الأوروبية التي بدأت تدرس الاعتراف بالدولة الفلسطينية، منها إسبانيا وأيرلندا وبلجيكا.
وأضاف أن "إسرائيل تخشى أن يتحوّل الموقف الفرنسي إلى كرة ثلج دبلوماسية، خصوصًا مع صدور تصريحات من برلين وستوكهولم تؤيد مبادرة السلام".
من جانبه، قال ميشيل دوريان – باحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS)، لـ"إرم نيوز"، إن تصريحات نتنياهو تعكس قلقاً عميقاً داخل الحكومة الإسرائيلية من تحوّل محتمل في مواقف القوى الغربية، وعلى رأسها فرنسا، تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وأضاف دوريان: "ماكرون لم يتحدث عن اعتراف أحادي، بل عن تحرك مشروط ومتناغم مع اعتراف العرب بإسرائيل. ومع ذلك، فإن مجرد طرح هذه الفكرة من قبل قوة دائمة العضوية في مجلس الأمن، وفي هذا التوقيت بالذات، يمثل تحدياً استراتيجياً لإسرائيل، التي ترى في أي اعتراف أوروبي بفلسطين تهديداً لتفوقها الدبلوماسي".
ورأى في "توظيف نتنياهو لمسألة استقلال كورسيكا وكاليدونيا الجديدة انحرافا سياسيا واستغلالا عاطفيا لا علاقة له بالسياق، بل محاولة لإحراج فرنسا وإظهارها بمظهر الدولة المنافقة" وفق تعبيره.
من جانبها، قالت كلير بيلان، المحللة المتخصصة في السياسات الإسرائيلية في مركز دراسات الشرق الأوسط (CERMOM) بجامعة INALCO، لـ"إرم نيوز"، إن رد الفعل الإسرائيلي، سواء الرسمي أو الشخصي عبر يائير نتنياهو، يعكس تخبطًا سياسيًا في ظل تراجع الدعم الدولي لسياسات الحكومة الحالية.
وأضافت أن "تصريحات نتنياهو تندرج في إطار خطابه القومي المتشدد، لكن ما يلفت الانتباه هو توبيخه العلني لابنه. هذا يعكس خشية داخلية من توتر إضافي مع دولة كبرى مثل فرنسا، لا سيما في لحظة سياسية حرجة تشهد فيها إسرائيل عزلة دبلوماسية متزايدة".
وترى بيلان أن فرنسا "لا تزال في مرحلة اختبار النوايا، وماكرون حاول التوازن بين دعمه لحل الدولتين وضمان أمن إسرائيل، لكن الرد الإسرائيلي كان بمنزلة إغلاق لباب الحوار، بل وإهانة دبلوماسية صريحة".