الجيش الإسرائيلي: صفارات الإنذار تدوي في الجليل الأعلى شمالي إسرائيل

logo
العالم

"الحدود الموصدة".. هل ينذر الإجراء الألماني بنهاية حقبة "شنغن"؟

"الحدود الموصدة".. هل ينذر الإجراء الألماني بنهاية حقبة "شنغن"؟
مسافرو الاتحاد الأوروبي (تعبيرية)المصدر: أ ف ب
12 سبتمبر 2024، 4:59 م

يمكن عبور الحدود الألمانية، في لمح البصر، باتجاه أية دولة مجاورة، مثل: التشيك، أو النمسا، أو فرنسا، أو هولندا، دون أن تشعر بأي تغيير، وتكاد تجهل بأنك عبرت الحدود المفتوحة التي لا يوجد فيها أي إجراء رقابي.

غير أن هذه السلاسة في الانتقال بين دول الاتحاد الأوروبي، والتي وفرتها اتفاقية "شنغن"، قد لا تكون كذلك بعد الآن، في ظل صعود اليمين المتطرف، وجهرها بالعداء للمهاجرين واللاجئين، وسعي أحزاب ليبرالية ومحافظة إلى تطبيق جزء من برامج اليمين كيلا تخسر ما تبقى من رصيدها لدى الناخب.

وهذه المعادلة الانتخابية البسيطة تتجسد بوضوح في ألمانيا التي فاز فيها اليمين المتطرف في ألمانيا في انتخابات إقليمية اعتُبرت ثورة في المشهد السياسي الألماني، فيما تنتظر البلاد الانتخابات التشريعية العامة، وشبح اليمين المتطرف يطل بقوة. 

 

تناغم مع اليمين

من هنا، بادرت ألمانيا، التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين بين دول الاتحاد الأوروبي، وهي الوجهة المفضلة للقادمين الجدد، بوصفها تملك أكبر اقتصاد ضمن دول التكتل، مع ما يعني ذلك من فرص عمل، ومستوى معيشة لائق، إلى تحصين حدودها في وجه المهاجرين، في تناغم من الائتلاف الحاكم بقيادة أولاف شولتس مع برامج اليمين المتطرف.

ورغم أن الإجراء قد يكون روتينيًا بهدف حماية حدود الدولة الوطنية، فإنه من الزاوية الحقوقية والقانونية يشكل تقويضًا لتاريخ من سياسة التسامح والترحيب عرفت بها ألمانيا خلال العقود الفائتة، التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وما جرته النازية على القارة العجوز من ويلات.

لكن، وبمعزل عن الجانب القانوني والحقوقي، هل ستجدي هذه الإجراءات المقررة، بدءًا من 16 أيلول/سبتمبر الجاري، لفترة أولية تمتد 6 أشهر، في تقليص أعداد اللاجئين؟ وإلى أي حد يمكن تطبيقها على أرض الواقع، وتكون فعالة؟

يبلغ طول الحدود البرية لألمانيا نحو 3800 كم، وتشترك مع 9 دول، هي: الدنمارك، وبولندا، وجمهورية التشيك، والنمسا، وسويسرا، وفرنسا، ولوكسمبورغ، وبلجيكا، وهولندا.

ومن هنا يشكك الخبراء في جدوى الإجراءات الألمانية، وقدرتها على ضبط الحدود الطويلة والمفتوحة، ناهيك عن الحاجة إلى كوادر بشرية مدربة وبأعداد كبيرة، للعمل في المعابر الحدودية.

أخبار ذات علاقة

ألمانيا لترامب: نحن لا نأكل القطط والكلاب

 

توترات متوقعة مع الجوار

وفضلاً عن الجدل السياسي والحزبي الداخلي حيال هذه الخطوة، فإن دول الجوار الألماني لن تقف مكتوفة الأيدي حيال إرجاع اللاجئين إلى أراضيها، وهو ما قد يفجّر أزمات دبلوماسية بين دول منطقة شينغن التي شكلت، على مدى عقود، مثالاً ناجحاً لحرية الحركة دون أية قيود أو ضوابط.

وكانت الجارة النمسا سبَّاقة في الإعلان عن رفضها استقبال أي لاجئ تطرده ألمانيا من عند حدودها.

وقال وزير الداخلية النمساوي غيرهارد كارنر إن عمليات الطرد في إطار إجراءات التفتيش على الحدود الداخلية للاتحاد الأوروبي، غير مسموح بها.

من جهته، أدان رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك قرار ألمانيا المجاورة بتشديد الرقابة على الحدود، ووصفه بأنه "غير مقبول".

ومن المرجح أن تتوالى المواقف الأوروبية الرسمية الرافضة لمثل هذه الإجراءات الرقابية الأحادية التي تقوم بها برلين، ذلك أنها، ووفقًا لخبراء قانون، تتناقض مع بنود اتفاقية شنغن أو بعبارة أخرى، فإن برلين تنتهك اتفاقية شنغن، التي وُقّعت، العام 1985، وظلت رمزًا عن مدى الحرية في الحركة والتنقل.

علاوة على ذلك، فإن الإجراءات الألمانية قد تثير الفوضى عند النقاط الحدودية، وقد تتطور إلى أزمات دبلوماسية، فتطبيق الضوابط عند الحدود سيؤدي، في كثير من الأحيان، إلى فترات انتظار طويلة للمسافرين والسياح، وسيؤدي كذلك إلى تأخير في مرور البضائع وحركة الشحن، بفعل الاختناقات المرورية التي ستحدث حتمًا، بينما يدقق مسؤولو الأمن في هويات العابرين.

وبهذا المعنى، فإن التغني بالحدود الأوروبية المفتوحة قد يصبح شيئًا من الماضي، وفق تعبير متابعين للملف.

 

لا حلول فردية

ومن المعروف أن مسألة اللجوء والهجرة من المسائل المعقدة والشائكة، والتي تتداخل فيها السياسة مع مبادئ حقوق الإنسان مع القانون مع الأمن مع الاقتصاد...الأمر الذي يتطلب حلولاً جماعية، وتفاهمات، وإجماعًا بين مختلف الدول الأوروبية.

أما الحلول الفردية، فإنها تفاقم المسألة، ذلك أنها تخلق توترات في القارة المعروفة بالاستقرار، مثلما تفعل ألمانيا، الآن، التي انتقلت من سياسة الباب المفتوح، قبل أقل من 10 سنوات، تحت قيادة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، إلى سياسة "الباب الموصد" تحت قيادة أولاف شولتس.

ورغم أن برلين تشدد على أن تحركها في فرض ضوابط حدودية يتماشى مع قواعد الاتحاد الأوروبي، وهو ما جاء على لسان وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فايزر التي شددت على أن برلين لن تتخذ تدابير أحادية الجانب "من شأنها أن تضر بالاتحاد الأوروبي".

وقالت فايزر إن الخطوة تتوافق مع القانون الأوروبي، وتعكس "عملاً منسقًا داخل ألمانيا، وكذلك داخل الاتحاد الأوروبي".

لكن هذه الطمأنة الألمانية لا تلغي هواجس جاراتها، بل تنتقل تلك المخاوف إلى أروقة مؤسسات وهيئات الاتحاد الأوروبي في بروكسل، إذ أكدت ناطقة باسم المفوضية الأوروبية في بروكسل أن إعادة فرض إجراءات المراقبة على الحدود الداخلية لأوروبا "محتملة"، لكن يجب أن تكون "ضرورية ومتناسبة".

وشددت على أن "إجراءات مماثلة يجب أن تبقى استثنائية تمامًا"، وذلك تعليقًا على التحرك الألماني.

 

قرية "شينغن"

جرى توقيع اتفاق "شنغن" الشهير بشأن حرية الحركة بين دول الاتحاد الأوروبي في قرية صغيرة، حملت الاتفاقية اسمها، جنوب شرقي لوكسمبورغ، في الرابع عشر من يونيو/حزيران العام 1985، ليحمل الكثير من الدلالات الرمزية، إذ حولت أوروربا المترامية الأطراف إلى قرية صغيرة.

وتعتمد سهولة التنقل على هذه المعاهدة التي وقعها، آنذاك، ممثلون عن 5 دول فقط، هي: بلجيكا، وفرنسا، ولوكسمبورغ، وهولندا، وما كان يُعرف يومها بألمانيا الغربية، لتصل، اليوم، وبعد مرور 4 عقود، إلى نحو 27 دولة. 

ورغم أن "شنغن" حملت رمزية عن القدرة على تجاوز الرقابة الحدودية، لكنها تواجه، اليوم، انتقادات، فاليمين المتطرف، والهواجس الأمنية، والهجمات الإرهابية، والأزمات الاقتصادية الناشئة في بعض الجوانب عن تدفق المهاجرين.. كل ذلك منح الرافضين لفكرة الحدود المفتوحة "ذخيرة" كثيرة لضرب الإنجازات التي حققتها "شنغن"، بوصفها أول معاهدة على هذا النحو فتحت حدود قارة.

 

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC