وجهت الشرطة الدولية "الإنتربول" ضربة كبيرة لإحدى أكثر الشبكات الإجرامية الإلكترونية الأفريقية نفوذًا، وهي مجموعة "الفأس السوداء"، في عملية عالمية تُعرف بـ"جاكال III".
ووفق مجلة "جون أفريك"، أسفرت هذه العملية المنسقة عن اعتقال نحو 300 شخص عبر خمس قارات، ما كشف عن شبكة واسعة من تهريب البشر والمخدرات والاحتيال الإلكتروني والجرائم العنيفة، مبينة أن هذه الحملة كشفت عن وجود منظمة متجذرة بعمق في الأنشطة غير المشروعة، امتد نفوذها إلى ما هو أبعد من الحدود النيجيرية.
وتعتمد "الفأس السوداء" على الرمزية والسرية كجزء من عقيدتها، حيث يظهر أعضاؤها بقبعات سوداء محاطة بحواف صفراء في طقوس خاصة.
وتُعتبر الفأس رمزًا مميزًا لها، ترمز إلى كسر القيود، وهو مستوحى من حركة "الزنوج الجدد في أفريقيا" (NBM)، التي تُعد منظمة اجتماعية - ثقافية نيجيرية تهدف إلى تعزيز مكانة السود عالميًا.
بدورها، نفت حركة "الزنوج الجدد" أي صلة بمجموعة "الفأس السوداء"، مؤكدة أنها لا تربطها أي علاقة بهذه المجموعة، حيث قامت مؤخرًا بطرد أو تعليق عضوية العديد من الأعضاء، بينهم مسؤولون من المستوى الرفيع.
وبحسب تقرير المجلة، تأسست مجموعة "الفأس السوداء" كأخوية جامعية ذات دوافع سياسية في سبعينيات القرن الماضي، مستوحاة جزئيًا من حركة "الفهود السود" في الولايات المتحدة، ومع مرور الوقت، تحولت هذه المجموعة إلى تنظيم عنيف يستخدمه السياسيون للتأثير على الانتخابات المحلية.
ويخضع الأعضاء الجدد لطقوس عنيفة تتضمن إيذاء النفس وشرب مشروبات تحتوي أحيانًا على دم بشري، حيث يحصل الناجون على لقب "محاربي الفأس".
وأشار التقرير إلى أن "الفأس السوداء" بدأت كمجموعة صغيرة في جامعة بنين في نيجيريا عام 1977، لكنها توسعت لتصبح شبكة إجرامية عالمية تمتد عملياتها إلى 21 دولة، مع أنشطة في 38 موقعًا حول العالم.
وكشفت عملية "جاكال III" مدى اتساع نطاق "الفأس السوداء"، حيث صادرت السلطات ممتلكات غير مشروعة بقيمة تتجاوز 3 ملايين دولار، وهذه العملية، وإن كانت ضربة موجعة، إلا أنها لم توقف نشاط المجموعة، التي تُعتبر مسؤولة عن نسبة كبيرة من الجرائم السيبرانية في العالم.
تُعد الجرائم السيبرانية المصدر الرئيس لتمويل "الفأس السوداء"، التي تُعرف في نيجيريا بـ"أولاد ياهو".
وتعتمد المجموعة على أساليب احتيال متقدمة، تشمل الاحتيال عبر البريد الإلكتروني، النصب الرومانسي، والاحتيال على الميراث، فضلًا عن عمليات الاحتيال باستخدام بطاقات الائتمان والاحتيال الضريبي.
وإضافة إلى الجرائم المالية، تنخرط المجموعة في تهريب البشر، حيث تستغل ضحاياها في الاستغلال الجنسي، لا سيما في أوروبا ومنطقة الساحل الأفريقي.
وتتمتع "الفأس السوداء" بهيكل تنظيمي محكم، يتألف من "مجلس الحكماء الوطني" في نيجيريا، ويمتد إلى فروع إقليمية يديرها "مجلس حكماء" محلي تحت قيادة زعماء إقليميين.
كما تضم المجموعة شخصيات دينية تتولى الإشراف على الطقوس، وأدوارًا متخصصة لإدارة الموارد المالية وفرض العقوبات.
وبحسب تقرير "جون أفريك"، يعزى انضمام الشباب النيجيري إلى هذه المجموعة لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، فنيجيريا تشهد تفاوتًا اقتصاديًا كبيرًا، حيث يكسب أغنى 22 مليون شخص ما يعادل 14 ضعفًا مما يكسبه 110 ملايين من الأفقر.
وتوفّر هذه المجموعات فرصًا اقتصادية للشباب، إلى جانب الحماية والروابط الأخوية، مما يجعلها جاذبة للكثيرين.
وأكد تقرير المجلة أنه رغم الضربة التي وجهتها عملية "جاكال III"، إلا أن أنشطة "الفأس السوداء" لم تتوقف.
وقال نائب مدير مركز مكافحة الجريمة المالية والفساد في الإنتربول، تومونوبو كايا، إن هذه الحملة ليست سوى البداية، إذ تستمر جماعات إجرامية أخرى مماثلة في غرب أفريقيا بتشكيل تهديدات خطيرة.
ويشير الخبراء إلى أن مكافحة "الفأس السوداء" تحتاج إلى جهود طويلة الأمد، نظرًا لتعقيد هيكلها وانتشارها العالمي وتأثيرها العميق.
وخلصت "جون أفريك" إلى أن هذه المشكلة ليست نيجيرية فقط، بل هي قضية دولية تهدد الأمن والاستقرار العالميين، وتتطلب تعاونًا دوليًا للتصدي لتداعياتها.