رويترز: البابا فرنسيس يظهر علانية لأول مرة منذ 5 أسابيع ويلوح من شرفة المستشفى قبل خروجه
أربكت مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، الحكومة الألمانية التي لم تحسم أمرها حيال ما ستفعله في حال زارها نتنياهو.
وبدا الارتباك والضبابية واضحين في تصريح شتيفن هيبشترايت، المتحدث باسم الحكومة الألمانية، الذي قال إن برلين "ستدرس بعناية مذكرتي الاعتقال... لكنها لن تخطو خطوات أخرى حتى تكون هناك بالفعل زيارة لألمانيا".
وأضاف هيبشترايت "أجد صعوبة في تخيل أننا سنجري اعتقالات على هذا الأساس"، مشيرا إلى أنه كان من الضروري توضيح المسائل القانونية المتعلقة بمذكرتي الاعتقال.
ولم يحدد المتحدث ما هي هذه المسائل، ولم يوضح كذلك ما إذا كان نتنياهو محل ترحيب في بلاده أم لا، بعد صدور مذكرات التوقيف.
وفي حين تجتهد الحكومة الألمانية لصوغ موقف واضح حيال مذكرات التوقيف، فإن هذه الجهود تصطدم بنقطة حرجة، وهي التداخل المربك بين المستويات السياسية والقانونية.
على المستوى القانوني، لا يمكن إنكار أن ألمانيا دولة ديمقراطية تلتزم بالقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان وتحترم تعهداتها حيال مختلف الهيئات الدولية ومن بينها المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، التي باشرت نشاطها في 2002، وتحظى بدعم 124 دولة، بينها ألمانيا.
وثمة نقطة مهمة هي أن مذكرات الاعتقال التي تصدرها المحكمة تظل "بلا أنياب"، فهي لا تملك الوسائل اللازمة لتنفيذ أوامر الاعتقال بنفسها، بل إن الدول الأعضاء، بما في ذلك ألمانيا، ملزمة رسمياً باحتجاز الأشخاص المطلوبين إذا عبروا حدودها.
ومثل هذه التوطئة تقود إلى استنتاج منطقي مفاده أن ألمانيا ملزمة باعتقال نتنياهو إذا دخل أراضيها، لكن ثمة عقبة أداء اسمها السياسة، وفقا لخبراء.
على المستوى السياسي تشعر ألمانيا بالمسؤولية التاريخية تجاه دولة إسرائيل، بالنظر إلى التاريخ النازي "الدموي" في التعامل مع يهود أوروبا، وألمانيا خصوصا خلال الحرب العالمية الثانية.
وتقول المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل إن أمن إسرائيل يشكل جزءا أساسيا من الوجود السياسي الحديث لألمانيا بتحمل المسؤولية عن دور ألمانيا النازية في قتل ستة ملايين يهودي في المحرقة النازية (الهولوكوست).
ويرى خبراء أن التعاطي الألماني مع إسرائيل ينبع من محاولة التبرؤ من ذلك الماضي الأليم.
وهذا البعد التاريخي هو الذي يفسر الحماسة الألمانية الخاصة في دعم سياسات إسرائيل، دون تحفظ، على عكس مواقف بعض الدول الأوروبية كفرنسا مثلا، كما أن ألمانيا من الدول الرئيسة في تسليح تل أبيب.
يشار إلى أن موقف الحكومة الألمانية بشأن تسليم أسلحة إلى إسرائيل لم يتغير بعد إصدار مذكرتي الاعتقال.
ويوضح خبراء أن برلين التي تسعى إلى التخلص نهائيا من "الإرث النازي" الثقيل، لا يمكن لها المجازفة بإغضاب الدولة العبرية عبر اعتقال نتنياهو.
ومن المعروف أن الموقف الرسمي الألماني يعطي اسرائيل الحق في الدفاع عن أمنها واستقراراها ضد ما تعتبره "إرهاب" الجماعات الراديكالية مثل "حماس".
علاوة على ما سبق، لا يمكن لألمانيا أن تتجاهل حقيقة أن دونالد ترامب قادم مطلع السنة القادمة إلى البيت الأبيض، مع ما يعنيه ذلك من هجوم منتظر سيشنه ضد المحكمة، كما فعل في ولايته الأولى، حين فرض عقوبات على مسؤولي المحكمة عقب إعلانها التحقيق في سلوك الولايات المتحدة في أفغانستان، كما هددت إدارته بـ"عواقب وخيمة" إذا باشرت المحكمة التحقيق في جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية.
ولا يمكن لألمانيا أن تغامر بعلاقاتها مع واشنطن عبر تنفيذ مذكرة الاعتقال، فذلك سيثير حفيظة إدارة ترامب الذي قد يتخذ قرارات تضر بمصالح برلين، وفقا لخبراء.
يضاف إلى ذلك أن ثمة توقعات بأن إدارة ترامب قد تعقد صفقات بشأن الملف الأوكراني في مصلحة روسيا، على حساب العلاقات مع الحلفاء الأوربيين الذين يبدون حذرا وحرصا حيال الملفات الخلافية بين ضفتي الأطلسي.
وكانت آخر مرة زار فيها نتنياهو ألمانيا في مارس/ آذار 2023، ولا زيارات مقررة حاليا بين الجانبين.
تشمل قائمة أعضاء المحكمة الجنائية الدولية جميع دول الاتحاد الأوروبي إلى جانب المملكة المتحدة وكندا واليابان والبرازيل وأستراليا.
وفي منطقة الشرق الأوسط، فإن الأراضي الفلسطينية والأردن من أعضاء المحكمة، وإسرائيل ليست عضوة في المحكمة وكذلك الولايات المتحدة وروسيا.
وما يضعف أوامر اعتقال المحكمة هو أن العقوبة التي تواجهها الدولة التي لا تتقيد بتنفيذ أمر الاعتقال لا تتعدى لفت النظر الدبلوماسي، كما هو الحال بالنسبة لمنغوليا التي لم تعتقل ضيفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الصادر بحقه كذلك مذكرة اعتقال، دون أن تتعرض لأي عقوبات.