وزير الخارجية الأمريكي: وقف النار بأوكرانيا قد يتم خلال أيام إذا وافقت روسيا
قبل أن يضع يده على مفاتيح البيت الأبيض نجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إثارة القلق داخل أوروبا بحديثه المتكرر عن حتمية إنهاء الحرب في أوكرانيا وقدرته على فعل ذلك بغضون 24 ساعة فقط.
بيت القصيد هنا ربما المبالغة في القدرة على حل الصراع في وقت استثنائي .. لكن فعلا هنالك حالة من الثقة بقدرة ترامب على الوفاء بوعده لجملة اعتبارات أبرزها إيقاف الحرب في غزة حتى قبل تنصيبه رئيسا.
فهل يملك ترامب عصا سحرية لحل الصراع؟
دونالد ترامب رجل تحدٍّ مولعٌ بكسب الرهانات الصعبة و مهووسٌ بإبرام الصفقات.. وقد تكون صفقة إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية مربحة للجميع خاصة أن طرفي الصراع الرئيسَين قد سئما الحرب ويبحثان عن مخرج و ترامب قادر على ممارسة ضغوط كبيرة عليهما.
قبل الخوض في السيناريوهات المحتملة لإنهاء الحرب لا بد من فك شيفرة مواقف اللاعبين الأساسيين في هذا الصراع الدموي.. من أوكرانيا التي تقاتل للبقاء، إلى روسيا التي تحاول فرض إرادتها بالقوة، مرورا بالولايات المتحدة وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي الذين يجدون أنفسهم في مأزقٍ أمام معضلة دعم أوكرانيا و حرب الاستنزاف الطويلة.
منذ اللحظة الأولى وقفت أوكرانيا في وجه الآلة العسكرية الروسية وصمدت أمام خطةٍ سريعة للإطاحة بها "بدعم من حلفائها طبعا".. لكنها اليوم في موقف لا تحسد عليه فبعد أكثر من عامين ونصف العام من الحرب تبدو أوكرانيا مرهقة عسكريا.
ولطالما أصرت كييف على عدم بقاء جندي روسي واحد على أراضيها بما في ذلك القرم ودونباس لكن الوقائع على الأرض قد تفرض عليها قرارات صعبة.. فاستطلاعات الرأي تشير إلى أن نصف الأوكرانيين باتوا يرون في التفاوض مع روسيا خيارا ممكنا، بعد أن كان هذا الرقم لا يتجاوز 20% قبل عام فقط ومع ارتفاع الخسائر البشرية يبدو أن أوكرانيا أمام تحدٍّ وجودي صعب.
أما روسيا صاحبة النصر الميداني فتسيطر حاليا على 20% من أراضي أوكرانيا، و وفق دراسة لموقع "سلات" الفرنسي تسعى موسكو للاحتفاظ بالقرم ودونباس مع ضمان عدم انضمام كييف إلى الناتو في المفاوضات المستقبلية.. لكن هل تستطيع تحمّل المزيد من تكلفة الحرب عسكريا و بشريا و اقتصادياً؟"يتساءل مراقبون"
رغم الدعم الغربي المتواصل لكييف إلا أن الوضع قد ينقلب رأسا على عقب بعد عودة ترامب خاصة إذا قرر تنفيذ تهديداته بوقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا.. فالولايات المتحدة قدمت أكثر من 64 مليار دولار لكييف، وإذا انسحبت من المشهد فإن أوروبا ستجد نفسها أمام تحدٍّ ضخم؛ لأنها ليست على قلب رجل واحد في هذه الحرب..
أما ملف انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي، فقد بدأت المفاوضات بشأنه لكنه لا يمثل تهديدا حقيقيا لبوتين مقارنة بمساعي كييف للانضمام إلى الناتو وهو ما يراه الرئيس الروسي خطا أحمر لا يمكن تجاوزه.
لطالما اعتمد دونالد ترامب تكتيك "إشاعة الفوضى" قبل أي مفاوضات وهو نهج يعكس أسلوب مطوري العقارات الذين يثيرون التوترات ليضعوا خصومهم في موقف دفاعي ثم يفرضون شروطهم بقوة.. هذا ما أكده الباحث إميل فايزاند في موقع سلات الفرنسي، مشيرا إلى أن ترامب يجيد تحويل المشهد إلى ساحة معركة تفاوضية قبل أن يحقق مكاسبه.
و في دراسة للدبلوماسية الأميركية روز غوتميلر وهي وكيلة وزارة الخارجية السابقة ونائبة الأمين العام السابقة لحلف شمال الأطلسي نقلتها صحيفة الفاينانشال تايمز البريطانية.
غوتميلر تقول إن ترامب لن يسمح لبوتين بالخروج منتصرا نصرا ساحقا؛ لأن ذلك يعني هزيمة الغرب بالكامل.. ومع ذلك فإن ترامب هو الوحيد القادر على تغيير مسار الأحداث خاصة أن بوتين لديه مصلحة قوية في الإبقاء على علاقة جيدة معه طمعا في رفع العقوبات القاسية التي تخنق الاقتصاد الروسي..و وفقا للدراسة التي أعدّتها غوتميلر هناك 3 مقترحات لإنهاء الحرب :
أولها التقسيم المؤقت .. يقترح هذا السيناريو وقف إطلاق نار مشابه لوضع ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية بمعنى أن تبقى الأراضي التي استحوذتها روسيا حالياً تحت سيطرتها، ولكن دون الاعتراف بها كأمر واقع أو تقسيم دائم لأوكرانيا.
أيضا تحويل العضوية إلى مجرد احتمال.. فبدلاً من إلغاء فكرة انضمام أوكرانيا إلى الناتو – كما يريد بوتين – أو تسريعها – كما يرغب زيلينسكي – يقترح هذا الخيار بقاء العضوية "احتمالا مفتوحا" دون ضمانات زمنية..
الورقة النووية .. مقابل السيناريوهين السابقين، يمكن لواشنطن أن تفرض على موسكو استئناف المفاوضات بشأن ضبط الأسلحة النووية، وهو ملف حساس كان بوتين علقه احتجاجا على الدعم الغربي لكييف.
ومن ثم فإن هذه المقترحات من شأنها تحقيق نتيجة متوازنة والتوصل إلى حل مربح للجميع أو على الأقل يصون ماء الوجه لكل طرف.
وفي السياق ذاته كشف تقرير موقع "سلات" عن 3 خطط قال إنها على طاولة واشنطن من أجل السلام في أوكرانيا
أبرزها الخطة "الرسمية" التي وضعها مقربون من ترامب.
تقترح الخطة ترسيم الحدود الحالية ومنح روسيا سيطرة فعلية على شرق أوكرانيا والقرم، مقابل ضمانات أمنية لأوكرانيا من واشنطن، لكن دون أي أمل في انضمامها إلى "الناتو" لمدة 20 عاما، كما تتضمن رفعا جزئيا للعقوبات المفروضة على موسكو.
خطة فانس – النموذج الكوري للصراع الأوروبي.
جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي لديه رؤية مختلفة لكنها تتقاطع مع "الخطة الرسمية".. فهو يؤيد تجميد الحدود لكنه يقترح إنشاء منطقة منزوعة السلاح على غرار ما حدث في كوريا تمتد لمسافة 1290 كيلومترا على أن تتولى قوات أوروبية مراقبتها وبطبيعة الحال يرفض فانس أيضا فكرة دمج أوكرانيا في "الناتو".
وهناك خطة السفير الأميركي السابق في ألمانيا، ريتشارد غرينيل، الذي لا يزال يحظى بثقة ترامب، يقترح سيناريو أكثر جرأة فهو يدعو إلى إنشاء "مناطق مستقلة" في شرق أوكرانيا؛ ما يعني عمليا تقسيم البلاد وكما هو الحال مع فانس لا يرى غرينيل أي مستقبل لانضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي.
إذن يتفق الخبراء على أن ترامب لن يواجه صعوبة في جمع الأطراف على طاولة المفاوضات لكن المعضلة الحقيقية تكمن في إيجاد تسوية لا تعطي بوتين انتصارا سياسيا واضحا يحرج حلفاء كييف الأوروبيين.. وفي الوقت نفسه تبدو القارة العجوز مقبلة على "أيام صعبة" تتطلب إعادة النظر في استراتيجياتها الدفاعية لمواجهة روسيا.