الجيش الإسرائيلي: صفارات الإنذار تدوي في عكا وخليج حيفا ومناطق واسعة في الجليل شمالي البلاد

logo
محمد الماغوط
فيديو

من ربوة دمشق وطاولته القديمة.. "إرم نيوز" يقتفي أثر محمد الماغوط

26 يوليو 2024، 9:12 ص

اختلفت جغرافيا الأماكن كثيرًا، وباتَ على متتبع قصائد الماغوط، أن يحمل عدسةً مكبرةً ويتحول إلى عالم آثار، وهو يحاول العثور على بقايا حروف التشبيه والعطف.

البدايةُ، من منطقة الربوة في دمشق، حيث اعتاد الماغوطُ، شحذَ مخيلته، وهو يطلُّ على نهر بردى، الذي سمّاه يومًا "الألثغ الصغير".

وسيكون على "إرم نيوز"، أن يحمل مجاهرَ حساسةً، تخترقُ رسوبياتِ نصف قرن من الأحداث والتبدلات.

هنا مقهى "أبو شفيق"، حيث خُصص للماغوط كرسيّ قديم مع طاولة، يفرد عليها مسوداته، ويحدق بالطرف الآخر من الجبل، قبل أن يشرع بكتابة "خربشاتٍ"، ستتحول إلى نصوص عظيمة.

نصعد الدرج القاسي، ونحدّق في واجهات البللور، لقد تغير المكان كثيرًا، والطبيعة البكرُ، عاثت بها أعمال الديكور. فكيف سنعثر على الماغوط، في مكانٍ خلع جلده، وارتدى حلّة الخمس نجوم؟

نطلب من عمال "الأركيلة"، والشيفات، أن نشرب القهوة على طاولة الماغوط القديمة، التي تطل على النهر، فيستغربون ويسألوننا من هو الماغوط؟ نحاول تشغيل عدساتنا المكبرة، فنختار مكانًا يطل على بردى والشارع العام.

يقول النادل، إن المكان هنا تحول لمطعم، وسيكون من الصعب علينا ارتشاف القهوة، دون مدّ سفرةٍ للغداء!. نعم، مات العم أبو شفيق، منذ زمن بعيد، وخلع المكان جلده وتحول لشيء آخر.

لن يصدق الماغوط ما يرى، حتى هو سيعجز عن اكتشاف كرسيه، من بين مقاعد المخمل والجلد. لقد جفّ بردى، وغطت ألواح البللور الإطلالة. المقاعد فارغة، وضيوف المقهى الشعبي القديم، ماتوا، أو تحولوا إلى أمكنة أخرى.

نعيد الكرّة على مسامع، أطقم الجباة، والمشرفين على شواء اللحم والوجبات الغربية، لماذا لم يحتفظوا بكرسي الماغوط وطاولته، فيحولون المكان إلى معلم سياحي؟. يبتسم النادلُ ملء وجهه، ويقول إنه "لا أحد هنا يعلم عن ماذا نتحد

نهبط الدرج القاسي، نحو الشارع، ونفكر، كيف كان الماغوط يمشي كل تلك المسافة من حي المزرعة وسط دمشق، إلى مقهى أبو شفيق في الربوة؟ هل كان يتبع شيئًا ما؟ أم ربما يهرب من شيء يطارده؟.

نقول في أنفسنا، بالتأكيد سنعثر على بعضٍ من الماغوط، في مقهى البرازيل، داخل فندق الشام، حيث كان يحتل مكانه عند الواجهة المطلة على الرصيف. فنشدّ الرحال باتجاه المكان.

"بوابة الصالحية" قريبة من منزل الماغوط في المزرعة، ولاشك أنه اختار مقهى البرازيل، لعقد اللقاءات، أو للتأمل والكتابة، عندما يتعذر عليه المشي مسافات طويلة باتجاه الربوة. نقول للنادل: أليس هذا مقهى البرازيل؟.

يقول النادلُ وهو يلوّح بالمنقل، حتى لا يخبو الفحم المخصص لطلاب الأراكيل الذين يهوون نفث الدخان في هذا المكان: يا أخي، هل أتيتم من مجاهل التاريخ، هذا المكان كان اسمه منذ سنوات طويلة "البرازيل"، والآن أصبح "بلانكا".

كراسي القماش الفاره، مع طاولات خشب الزان، تؤكد أن العثور على ملامح للماغوط هنا، عملية شبه مستحيلة. نسأل الحاضرين عن الشاعر، ونحدثهم عن مسرحيات "كاسك يا وطن"، و"غربة"، فيظهرون وكأنهم أصيبوا بفقدان الذاكرة.

على الجدار في المقهى، يحضر الكثير من مشاهير العالم، لكننا لا نعثر بينهم على الماغوط.. فنسأل النادل: أيعقل هذا؟ فيقول إنه جديد هنا، ولاشك أنه سيتم تلافي الموضوع!.

نغادر المكان، ونحاول اقتفاء أثر الماغوط في الشوارع، لكن وجوه العابرين تبدلت، وأصحاب محال الألبسة كبار السن، لم يتذكروا إن كان الماغوط قد مرّ من هنا. نحدثهم عن ديوان "الفرح ليس مهنتي"، و"حزن في ضوء القمر"، و"غرفة بملايين الجدران"، فيعتقدون أننا نبحث عن بيت للإيجار.

يسألنا محمد الماغوط: لماذا جيء بتمثال يوسف العظمة إلى ساحة المحافظة؟ ولماذا يبدو مسدلاً سيفه، بينما كان في تمثاله القديم، يشهره للأعلى؟ فنقول له إن التمثال القديم تعرض للتدمير والتلف، وعندما صنعوا بديلاً له، كان على هذا النحو!.

يطرق الماغوط بعكازه، فوق بلاط الرصيف، ونهبط باتجاه جسر فكتوريا. العابرون كثرٌ، لكن المنتبهين قلائل. "عيوني زرقاء، من كثرة من نظرت إلى السماء وبكيت"، يقول الماغوط، بينما ينهمك العابرون بالمشي السريع، يريدون اللحاق بلقمة عيشهم.

تنتهي الزيارة، فيتركنا الماغوط ويمشي، بينما أصداء صوته تصل إلينا بشكل خافت:

" فليذهب القادة إلى الحروب

والعشاق إلى الغابات

والعلماء إلى المختبرات

أما أنا

فسأبحث عن مسبحةٍ وكرسيٍ عتيق...

لأعود كما كنت،

حاجبًا قديمًا على باب الحزن

ما دامت كلّ الكتب والدساتير والأديان

تؤكد أنني لن أموت

إلا جائعًا أو سجينًا".

يقول الروائي خليل صويلح في كتابه "اغتصاب كان وأخواتها"، الذي تضمن حواراته مع الماغوط: "كان من أوائل الذين أدخلوا إلى القصيدة العربية روح معجم مدهش من المفردات التي كانت قبله مهملة على قارعة الطريق. إذ دخل حديقة الشعر غاضبًا متمردًا على كل أنواع القيود. وذلك ليس على قيود القوافي والأوزان، بل قبلها قيود الحياة نفسها، التي لفظته باكرًا خارج جدرانها، ليجد نفسه صديق الأرصفة الأزلي، وأمير التسكع".

الماغوط (12 كانون الأول 1934- 3 نيسان 2006)، أشهر دواوينه الشعرية: "حزن في ضوء القمر" 1959، "غرفة بملايين الجدران" 1960، "الفرح ليس مهنتي" 1970، بالإضافة إلى عدة كتب نثرية أخرى.

اشتهر بأعماله المسرحية مع الفنان دريد لحام، ومنها: "ضيعة تشرين، شقائق النعمان، غربة، كاسك يا وطن..".

للماغوط العديد من الأفلام منها "الحدود"، "التقرير"، ومسلسلات تلفزيونية منها: "وادي المسك"، "وين الغلط"، "حكايا الليل".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC