الجيش الأمريكي: فقدان 4 من جنودنا خلال تمرين تدريبي في ليتوانيا
إن تحريم ما بعد الحرب العالمية الثانية المتعلق بالاستيلاء على الأراضي بالقوة أو التهديد بها، يتفكك الآن على يد جيل من القادة السياسيين، بقيادة تهديدات توسعية من دونالد ترامب، غير مسبوقة لرئيس أمريكي، وفق صحيفة الغارديان البريطانية.
ويحذر الخبراء من أن الجمع بين الهجوم الروسي على أوكرانيا، وتعليقات ترامب التي تحث صراحةً الولايات المتحدة على الاستيلاء على غرينلاند وكندا وقناة بنما وغزة، يُغذي بيئة متساهلة تهدد الحدود المعترف بها منذ زمن طويل والنظام الدولي القائم على القواعد التي وُجدت منذ نهاية الحرب.
وينص المبدأ، المنصوص عليه في المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945، على أن "يمتنع جميع الأعضاء في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي".
وفي حين أن تهديدات ترامب ظلت حتى الآن مجرد تهديدات، فإن السعي الجديد لتحقيق أهداف توسعية يتجلى بشكل أكثر وضوحا في أماكن أخرى، وفق الصحيفة.
وقالت إنه في أفريقيا، يُعزى دعم الرئيس الرواندي المستبد بول كاغامي لمتمردي حركة 23 مارس في جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى التزامه الصريح بسياسة "رواندا الكبرى".
وفي الشرق الأوسط، يُطالب اليمين المتطرف في إسرائيل بقوة بالضم الرسمي للضفة الغربية، بينما يُشارك جيشها فيما يصفه الآن بوجود مفتوح في أجزاء من سوريا ولبنان.
ويوم الجمعة، أمر وزير الدفاع الإسرائيلي الجيش بـ"السيطرة على المزيد من الأراضي" في غزة، وهدد بضم جزء من القطاع ما لم تُفرج حماس عن الرهائن الإسرائيليين الـ 59 المتبقين لديها.
أما الصين، التي تُصرّ منذ زمن على أن تايوان جزء من أراضيها، فتزيد من ضغوطها على تايبيه، حيث يُشير بعض المحللين إلى أنها قد تستغل تراجع مبدأ الغزو لاستيعاب تايوان وتوسيع نفوذها في بحر الصين الجنوبي، وفق الصحيفة.
وبينت أنه في أوروبا، ما كان يُستبعد سابقا، وهو أن تُهدّد روسيا دول البلطيق والدول الشرقية فعليا، لم يعد مُجرّد تصوّر، بل أصبح قضية أمنية مُلحّة.
ويُشير الخبراء إلى أن ما يُشكّل جوهر كل هذا هو رئيس أمريكي ليس مُستعدا فقط للموافقة على ضمّ مناطق أخرى، بل لديه أيضا نظرة إمبريالية؛ ما دفع البعض، بمن فيهم السفير الأمريكي السابق لدى الناتو إيفو دالدر، إلى التصريح بأنه "مع تولي ترامب منصبه، انتهى النظام القائم على القواعد".
يقول مايكل ألبرتوس، الأستاذ في جامعة شيكاغو ومؤلف كتاب "القوة البرية: من يملكها، ومن لا يملكها، وكيف يحدد ذلك مصير المجتمعات"، والذي يرى، كغيره، تفككا في النظام الدولي لما بعد الحرب: "كانت فكرة التهديد العلني بالاستيلاء على أراضٍ أخرى باستخدام القوة غير واردة طوال فترة ما بعد الحرب".
ويضيف: "منذ انتخاب ترامب، تغير الوضع كثيرا".
ومؤخرا، كتب ألبرتوس أن العقلية التوسعية الحالية لبعض الدول "ليست سوى بداية لتنافس عالمي جديد على الأراضي".
وبينما يتعلق بعض هذا بأفكار ترامب التوسعية، فإن ما لا يقل أهمية، كما يقول ألبرتوس، هو التغيير في معاملة واشنطن لروسيا في محاولتها ضم أجزاء كبيرة من أوكرانيا.
ويُجادل بأن أحد العوامل الرئيسة هو التكنولوجيا وتغير المناخ والطلب على المعادن الأرضية النادرة، وهو ما يتجلى في رغبة ترامب في الاستحواذ على غرينلاند وفي تحركات رواندا في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
من جانبه، يرى سمير بوري، رئيس برنامج الحوكمة والأمن العالمي في تشاتام هاوس، وهو أكاديمي عمل في وزارة الخارجية، أن هذا التمزق الحالي لا يُمثل إعادة تشكيل لما بعد الحرب العالمية الثانية فحسب، بل يُمثل أيضا النظام الدولي لما بعد الحرب الباردة وافتراضاته.
ولا يقتصر الأمر على النظام العالمي لما بعد عام 1945، بل يمتد إلى ما بعد عام 1991 من حيث توازن القوى.
وقالت الصحيفة إنه من المهم فهم وضع الولايات المتحدة الآن، فترامب ليس انعزاليا، بل هو إمبريالي بعض الشيء في سلوكه، لا سيما أنه قد يكافئ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على اكتسابه الأراضي.
وفي حين يُقرّ بوري باستحالة التنبؤ بما سيؤول إليه هذا التحول، إلا أنه يُشكك في قدرة الآليات الدولية الفعّالة على وقف الدول والقادة المُصمّمين على التوسع.
وبالنسبة للكثيرين، فإن أكثر ما يثير القلق هو كيف تُهيئ أفعال ترامب وتصريحاته مساحةً متساهلة، بدءا من تشككه العلني تجاه أوكرانيا ووصولا إلى تلميحه بإمكانية سيطرة الولايات المتحدة على غزة.
ويرى المحاضر في الأمن الدولي بجامعة ريدينغ، كيري غوتليش، أن التغيير في الموقف الأمريكي يكمن في تحوله من "إمبريالية غير رسمية" تاريخية استخدمت أدوات بديلة مثل الانقلابات والنفوذ "باستثناء الضم خلال فترة الهيمنة الأمريكية في القرن العشرين".
وغوتليش غير متأكد إلى أي مدى ينبغي أن يُؤخذ حديث ترامب عن التوسع الإقليمي في غرينلاند أو عن جعل كندا الولاية الأمريكية الحادية والخمسين على محمل الجد، وإلى أي مدى يُعتبر موقفا تفاوضيا.
وقال إنه طوال معظم القرن العشرين، كان هناك اتفاق عام على أن الولايات المتحدة لن تضم أو تحتل أراضي، مع بعض الاستثناءات الصغيرة.
وما يتغير بوضوح هو أن هذه هي المرة الأولى منذ القرن التاسع عشر التي يدور فيها نقاش حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تقوم بالغزو أم لا، وفق الصحيفة.
وأضاف أن ما نراه مع ترامب هو تغير واضح في الخطاب الذي لا يتخذ الأخلاق أساسا لدور الولايات المتحدة في العالم، حيث تضع نفسها على قاعدة أخلاقية.