حذّر خبراء في الشأن الاقتصادي من مغبة انهيار الاقتصاد العراقي جراء احتمالية شمول البلاد بالعقوبات الاقتصادية التي يخطط لها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ضد إيران، بسبب عدم توقف عمليات تهريب النفط العراقي نحو طهران.
ويعد العراق ثاني أكبر منتج للنفط في "أوبك" بعد السعودية، ويعتمد في وارداته المالية بشكل رئيس على الريع النفطي مع تعثر الموارد الأخرى نتيجة تراجع قطاعي الصناعة والزراعة.
وكشف مصدر برلماني عن اعتراف رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، خلال استضافته في جلسة البرلمان، أمس الأربعاء، بتهريب نفط إقليم كردستان إلى إيران.
وقال عضو البرلمان لـ"إرم نيوز"، شريطة حجب اسمه، أن "رئيس الوزراء أقرّ صراحة بعلمه بتهريب أكثر من 220 ألف برميل من النفط يوميًا من إقليم كردستان نحو إيران، إلا أن السوداني برّر عدم اتخاذه إجراءً بحق كردستان برغبته في عدم التصعيد مع الإقليم ومحاولة حلحلة القضية بهدوء".
وكان العراق قد أوقف تصدير النفط المنتج في إقليم كردستان نحو خط "جيهان" التركي منذ مارس العام 2023، بعد تعليق أنقرة التدفقات، ردًا على حكم التحكيم الصادر عن غرفة التجارة الدولية، فضلاً عن امتناع الإقليم تسليم مبالغ النفط المصدر إلى شركة "سومو" الجهة الرسمية المسؤولة عن صادرات النفط العراقية.
يقول الخبير الاقتصادي، نوزاد حسن، لـ"إرم نيوز"، إن "اعتراف الحكومة صراحة بعلمها بتهريب نفط كردستان نحو إيران، وعجزها عن إيقاف تلك العملية، يعدان كارثة حقيقية ليس للقطاع النفطي فحسب، بل للعراق بشكل عام".
وأضاف أن "تبعات هذا التهريب لا تنحصر في خسارة العراق للنفط المهرب وقيمته المادية فقط، بل تتعداها إلى احتمالية شمول العراق بعقوبات ترامب الاقتصادية على إيران والتي لوّح بها، فضلاً عن مطالبات أوبك بتخفيض النفط العراقي".
وبيّن حسن، أن "فرض عقوبات اقتصادية ثانوية على بغداد، من شأنه أن يهدد إنتاج العراق من النفط الذي يزيد على 4 ملايين برميل يوميًا وحوالي 3.6 مليون برميل يوميًا من الصادرات".
وكانت تقارير عديدة قد تحدثت عن تسلم إيران للنفط المهرب من إقليم كردستان، وكشفت مصادر متطابقة أن الحكومة أبلغت الإقليم مرات عديدة بضرورة وقف عمليات التهريب عند الحدود العراقية الإيرانية والحد منها.
وكشف مصدر مطلع، مقرب من الحكومة العراقية لـ"إرم نيوز"، عن "مخاطبة الحكومة العراقية بشكل رسمي للجانب الإيراني، مطالبًا إياه بقطع عمليات التهريب، وعدم تسلم النفط المهرب باعتبار النفط موارد سيادية لا تخص إقليم كردستان فقط".
وأضاف أن "الحسابات الحكومية تُجرى على أساس إنتاج إقليم كردستان بشكل رسمي لأكثر من 290 ألف برميل من النفط يوميًا، وهذه الكمية من المفترض أنه تم تجميدها عن التصدير عبر خط جيهان التركي، فيما يتم استخدام 70 ألف برميل يوميًا فقط لتكرير المشتقات النفطية، وبهذا فإن هناك 220 ألف برميل فائض من الإنتاج اليومي غير موجودة في مخازن الإقليم، ويتم تهريبها نحو إيران".
وكان رئيس شركة “رابيدان إينيرجي” الاستشارية بوب ماكنالي، والذي كان مديرًا سابقًا للطاقة في مجلس الأمن القومي الأمريكي خلال إدارة بوش، قد توقع أن تستهدف إجراءات الرئيس ترامب، كيانات وأفرادًا عراقيين محددين مرتبطين بإيران، بما في ذلك شركة تسويق النفط الحكومية "سومو".
وأضاف في تصريحات له بأنّ "العقوبات ستستهدف الحد من النفوذ الإيراني في بغداد، حيث تسيطر جماعات سياسية وميليشياتها المتحالفة مع طهران بدرجة كبيرة على الحكومة العراقية وقطاع النفط".
الخبير الاقتصادي والمستشار الحكومي السابق، ضياء الموسوي، بيّن خطورة عمليات التهريب من إقليم كردستان، خاصة أنّ الكميات المهربة نحو إيران تضاهي إنتاج بعض الدول من النفط.
وأكد لـ"إرم نيوز" أنّ "الخطورة تكمن في أنّ النفط المهرّب يباع في الأسواق باعتباره نفطًا عراقيًا، ومن هنا نرى أنّ "أوبك" دائمًا ما تطالب العراق بتخفيض إنتاجه، رغم أنه على المستوى الرسمي فإنّ العراق خفّض الكميات المصدرة للخارج".
وأضاف أنّ "عمليات التغاضي عن تهريب النفط نحو إيران سيؤدي إلى دخول النفط العراقي فيما يسمى، السوق الرمادية، والتي يتم تحقيق ملايين الدولارات من الإيرادات وتبييضها لصالح قوى سياسية وميليشياوية مدعومة من طهران".
وأوضح الموسوي أنّ "أية عقوبات اقتصادية على العراق ستؤدي إلى انهيار الاقتصاد بشكل كامل، وعجز الدولة العراقية على دفع حتى مرتبات الموظفين، لأنّ عائدات النفط تشكل 90% من مجموع إيرادات البلاد، وبهذا ستكون الحكومة بموقف محرج جدًا".
وكان ترامب قد صرّح، العام 2011، لصحيفة "وول ستريت جورنال" بأنه يريد "أخذ النفط" من العراق، مؤكدًا بالقول: "لن أترك العراق وأسمح لإيران بالاستيلاء على النفط"، وهذا ما يجدد مخاوف بغداد، اليوم، من مغبة اتخاذ إدارة ترامب إجراءات تجاه نفط العراق.
ويصدر العراق 41% من نفطه إلى الصين، و28% للهند، وقد تسفر العقوبات الاقتصادية على النفط العراقية، بأضرار كبيرة على الصين الغريم الاقتصادي التقليدي للولايات المتحدة الأمريكية.
وحذّر الموسوي، المستشار الحكومي السابق، بأن "تتسبب العقوبات المحتملة بتجميد الاستثمارات الغربية في قطاع النفط العراقي، في وقت تصارع بغداد بهدف زيادة صادراتها لتصل إلى 7 ملايين برميل كما مخطط له العام 2035".