حين تكون بمصر وتحديدا بمدينة الإسكندرية وتختلف مع أحد المارة في الشارع، فلا تندهش إذا وجدته يقسم لك قائلا: "وسيدي المرسي أبو العباس، ما أقوله هو الحق".
هذا التعبير العفوي يعكس المكانة الرفيعة المتوارثة عبر الأجيال والتي يحظى بها هذا الولي الصوفي في قلوب أبناء المدينة الملقبة بـ"عروس البحر المتوسط"، منذ أن وفد إليها قبل أكثر من 7 قرون، فخلدت ذكراه بمسجد آية في الفخامة والإبداع.
يتميز المسجد بتصميم فريد مستلهم من الطراز الأندلسي يقوم على شكل ثماني الأضلاع مع الاستغناء عن الصحن الأوسط، دون تأثير على مساحة المصلى أو الإضاءة الطبيعية، مع كثرة الأعمدة وروعة القباب والارتفاع الشاهق للمأذنة البديعة.
فضلا عن وجود 16 عمودا من الرخام بعضها من الجرانيت الوردي المصمم خصيصا في إيطاليا لحمل الأسقف والقباب، يحظى المسجد بروائع النقوش والزخارف وأعمال الفيسفساء والأرابيسك عبر النوافذ والأبوب والمحراب.
ويتميز المنبر بوجود قبة مرصعة تحمل آيات من القرآن رُسمت حروفها بالذهب الفرنسي، كما يتضمن المبنى أنواعا نادرة من الأخشاب الثمينة التي تم توظيفها ببراعة في أركانه وجوانبه المختلفة.
واللافت أن المسجد يرتفع بنحو 3 أمتار عن محيطه وهو ما أوجد مساحة كبيرة تم استغلالها كملجأ يلوذ به المواطنون أثناء الغارات الجوية التي تشنها القوات الألمانية على نظيرتها الإنجليزية أثناء الحرب العالمية الثانية، في إطار الصراع بين جيوش المحور والحلفاء على الأراضي المصرية آنذاك.
قام بتصميم المسجد المعماري الإيطالي ماريو روسي الذي جاء إلى مصر شابا عام 1934 على رأس وفد من بلاده لتنفيذ عدد من المنشآت، بحسب قرار ملك البلاد فؤاد الأول، حيث درس روسي العمارة الإسلامية جيدا واستغرق بناء هذه التحفة المعمارة 16 عاما.
ولد شهاب الدين أبو العباس بن أحمد بن حسن بن علي الخزرجى الأنصاري، المعروف اختصارا بالمرسي أبو العباس، بمدينة "مرسية" الأندلسية، جنوب إسبانيا، عام 1219 ميلادية.
ذهب إلى الحج رفقة أسرته على متن سفينة تعرضت للغرق، فلقى والداه حتفهما بينما نجا هو وشقيقه قبالة سواحل تونس التي استقرا بها حيث التقى لاحقا الشيخ تقي الدين أبو الحسن الشاذلي، الذي تنتسب إليه الطريقة الشاذلية الصوفية، فنهل من علمه، ورافقه في الحل والترحال.
رحل الشيخ والمريد لاحقا إلى الإسكندرية التي كانت وجهة علماء الأندلس وظلا بها طيلة أربعة عقود ينشران تعاليم الدين بسماحة وصفاء، إلى أن توفي الشاذلي وحل أبو العباس مكانه، ثم توفي الأخير عام 1281.
بنى محبو أبو العباس ضريحا له ومسجدا صغيرا حول قبره، وكلما تعرض المبنى للهدم أعيد بناؤه، إلى أن أصدر الملك فؤاد الأول قراره التاريخي ببناء المسجد من البداية على أسس تجمع بين الأصالة والحداثة في نفس موضعه القديم، ليصبح أحد أهم المزارات الإسلامية في الإسكندرية ومصر.
