وسائل إعلام إسرائيلية: إطلاق صواريخ لاعتراض صاروخ أطلق من اليمن
وسط شوارع باريس الباردة، يعيش عشرات الآلاف من الجزائريين بلا تصاريح إقامة، يطاردهم شبح الترحيل بينما توصد أبواب الوطن في وجوههم.
فرنسا تريد إعادتهم، والجزائر ترفض استقبالهم، ليظلوا عالقين في دوامة قانونية لا ترحم، بين سياسات متشابكة وأقدار غامضة بعد قررت باريس إعادة النظر في اتفاق عام 1968.
على أحد الأرصفة في شمال باريس، يجلس عماد، شاب جزائري "في 26 عاما"، متدثرًا بسترة رياضية وقبعة سوداء، يحتسي قهوته في كوب ورقي، بينما تحمل عيناه المتعبة حكاية آلاف الشباب الذين راودهم حلم أوروبا، لكنهم وجدوا أنفسهم أسرى واقع أشد قسوة مما فرّوا منه.
وأوضحت الصحيفة أن هذا الشاب تناول منذ بداية اليوم، عدة أقراص من "ليريكا"، وهو مسكن قوي يعتمد على مادة البريجابالين، ويُصرف هذا الدواء بوصفة طبية فقط، لكنه يُباع سرًا في منطقته مقابل 2.50 يورو للقرص، نظرًا لتأثيراته المهدئة.
عماد مهاجر وصل إلى أوروبا بطريقة غير شرعية، وأحد هؤلاء الذين يطلق عليهم "حراقة"، حيث يشير هذا اللقب إلى الشباب الذين يصل بهم الأمر إلى إتلاف أوراقهم الثبوتية لإخفاء هويتهم وأصولهم.
قبل ثلاث سنوات، قرر عماد مغادرة بلده بحثًا عن حياة رغيدة في فرنسا، بعدما شاهد على فيسبوك وإنستغرام مقاطع فيديو لشباب جزائريين مثله يتباهون بالوقوف إلى جانب سيارات فاخرة، بصحبة فتيات، لكن الواقع الذي يعيشه اليوم في باريس بعيد كل البعد عن تلك الصورة الحالمة.
هذا الشاب أصبح مدمنًا على المسكنات ويعيش بالكاد من بيع السجائر المهربة، ينام في مبانٍ مهجورة أو مراكز إيواء الطوارئ.
وذات يوم، هاجمته عصابة منافسة من الباعة المتجولين، ما أدى إلى دخوله في غيبوبة لمدة شهر بسبب ارتجاج في المخ، واضطر إلى زراعة دعامة في جمجمته. ولو عُرضت عليه فرصة الهجرة اليوم، لما خاطر مجددًا بركوب قارب متهالك لعبور البحر المتوسط.
لكنه مثل عدة آلاف من مواطنيه، يخضع لقرار "الإبعاد الإجباري عن الأراضي الفرنسية" ، بعد أن كان من المفترض أن يغادر فرنسا ويعود إلى وطنه منذ فترة طويلة، لكن الجزائر، منذ عدة أشهر، ترفض بشكل قاطع السماح بدخول معظم مواطنيها الذين ترحلهم باريس.
وترفض الجزائر بشكل خاص استقبال المرحلين الذين ارتكبوا جرائم أو تبنوا أفكارًا متطرفة في أوروبا، معتبرةً أنهم يشكلون تهديدًا محتملًا للأمن القومي.
وعندما يتم الترحيل بشكل قسري وليس طوعيًا، تصبح السلطات الجزائرية أقل تعاونًا، وتندد بما تصفه بالإهانة "الاستعمارية الجديدة".
بحسب السلطات الفرنسية، من بين نحو 60 ألف جزائري صدرت بحقهم قرارات مغادرة الأراضي الفرنسية بين عامي 2019 و2022، لم تستقبل الجزائر سوى 2,500 شخص منهم.
لكن ليس جميع هؤلاء دخلوا فرنسا بطرق غير شرعية مثل "الحراقة"، إذ يعبر العديد من الجزائريين الحدود بتأشيرات قانونية، ثم يبقون في البلاد بعد انتهاء صلاحيتها.
والكثير منهم مندمجون بشكل جيد في المجتمع والاقتصاد المحلي. وبالتالي، لا تعني قرارات الإبعاد بالضرورة أن جميع المستهدفين بها مجرمون.
بدأت هذه العراقيل، إلى جانب الحساسية التاريخية المرتبطة بها، تثير استياء الحكومة الفرنسية، خاصة بعد الهجوم الذي شهدته مدينة مولوز، في 22 فبراير الماضي، عندما هاجم جزائري يبلغ من العمر 37 عامًا مجموعة من رجال الشرطة بسكين، ما أدى إلى إصابة عدد منهم، كما قتل مواطنًا برتغاليًا حاول التدخل.
المهاجم كان يخضع بالفعل لقرار إبعاد، كما سبق أن حكم عليه بالسجن ستة أشهر في فرنسا بسبب "تمجيد الإرهاب"، ورغم أن باريس طلبت من الجزائر 14 مرة تزويدها بالوثائق اللازمة لترحيله، إلا أنها لم تستجب.
عقب الهجوم، أطلق رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو تصريحات حادة تجاه الجزائر، معتبرًا أن المأساة كان يمكن تفاديها لو تعاونت السلطات الجزائرية.
وأضاف أن موقف الجزائر يهدد الاتفاقيات الثنائية بين البلدين، داعيًا إلى إعادة النظر فيها.
أما وزير الداخلية برونو ريتايو، فقد ذهب أبعد من ذلك، مطالبًا بإلغاء اتفاق 1968 فورًا. وكان قد عبّر عن غضبه في يناير الماضي بعد فشل ترحيل مؤثر جزائري دعا إلى العنف عبر منصة "تيك توك".
في نهاية المطاف، يظل عماد وآلاف المهاجرين مثله هم الضحايا، فقد تخلى الشاب الجزائري عن أي أمل في بناء حياة كريمة في باريس.
كان هذا الشاب يحلم بإسعاد والديه وإرسال المال إليهما بانتظام، لكن أبناء الفلاحين البسطاء مثله لا يثيرون اهتمام أصحاب العمل، كما أن إصاباته الناتجة عن تعرضه للضرب لا تزال تشكل عائقًا في طريقه.