مسؤول إيراني لرويترز: المحادثات غير المباشرة فرصة لتقييم مدى جدية واشنطن بشأن الحل السياسي مع إيران
تطل المدرسة المستنصرية، على الضفة الغربية لنهر دجلة، وسط بغداد، شاهدة على حقبة مزدهرة للمدينة في أواخر العصر العباسي، كان العلم فيها سيد الموقف.
ويعكس صمود المدرسة كل تلك القرون، قوة بنائها ومكانتها في نفوس من عاصروها، رغم ما مرت به المدينة من غزوات وحروب قديمة ومعاصرة وإهمال.
وسُميت المدرسة المستنصرية على اسم بانيها الخليفة العباسي المستنصر بالله، والذي حكم حتى العام 1242ميلادية، لكنها كانت جامعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتخصصات، وطلاب، وسكن للدراسين القادمين من كل مكان.
ولايزال بناء المدرسة صامداً حتى اليوم، بالتصميم والتفاصيل ذاتها التي وضعها البناؤون، على الرغم من الصيانة والترميم الذي خضع له أكثر من مرة.
وشُيدت المدرسة المستنصرية على مساحة 4863 متراً مربعاً، وتتكون من بناء مستطيل تتوسط ساحة مكشوفة، ليبدو أشبه بأبنية المساجد، لكن دون قبة، وبعدد كبير من الغرف الموزعة على طابقين.
إذ يتألف البناء من "40 حجرة في الطابق الأول، وكانت قاعات الدراسة، وفي الطابق الثاني 36 غرفة مخصصة لإقامة الطلاب الأجانب القادمين من خارج بغداد، كما لو أنها سكن جامعي بالمفهوم الحديث.
والمدرسة مبينة بحجارة الآجر الأصفر، والتي تساعدها على العزل الحراري في فصلي الصيف والشتاء، ما يحمي الدراسين فيها من الحر والبرد على حدٍ سواء.
ويضم المبنى 6 سلالم للوصول إلى الطابق الثاني وغرفه المطلة على ممر يشرف على ساحة المدرسة.
وخُصصت المدرسة لتعليم وتدريس علوم القرآن الكريم والفقه الإسلامي لشتى المذاهب الإسلامية السائدة والمسائل الشرعية الخاصة بالإرث.
كما كانت تدرس علوم الطب، والرياضيات، والفلك، وغيرها، من قبل أساتذة وعلماء أكفاء في ذلك الزمان، وقد جاؤوا أو استُدعوا للتدريس فيها بمقابل مادي كان يشمل حتى الطلاب.
ويتم اختيار طلاب المدرسة المستنصرية، من المدارس المختلفة، ومن الذين اشتهروا بالتأليف والتصنيف والتدريس، من مختلف المدن في العراق، والبلدان الإسلامية.
وتضم المدرسة مرافق خدمية عديدة، مثل حمام خاص بالطلاب، ودار للوضوء، وبيمارستان (مستشفى)، ومطبخ، ومخزن لخزن الطعام والشراب، والأدوية، ومزملة للماء البارد العذب، بجانب فريق من الخدم، والطباخين، والحراس.
وبجانب طابعها التعليمي، كانت المدرسة مركزاً للاجتماعات، ولقاءات المسؤولين في تلك الحقبة، بينما تقام صلاة الجمعة في ساحتها المفتوحة.
ولضمان توفير تمويل دائم للمدرسة، خصص لها الخليفة العباسي أوقاف كثيرة، بينها أراضٍ واسعة، بحيث تعود أموال الوقف للمدرسة.
وخرَّجت المدرسة الكثير من الطلاب الذين انتظموا في صفوفها لسنوات، حاملين معهم علوماً في شتى التخصصات، ومكانة اجتماعية اكتسبوها من مدرستهم التي ذاع صيتها في البلدان.
وظلت المدرسة صامدة حتى بعد سقوط الخلافة العباسية، واجتياح المغول لبغداد، على الرغم من توقف الدراسة فيها لسنوات.
لكنها تعرضت للحدث الأكبر في تاريخها عندما تعرضت مكتبتها الكبيرة التي تضم نفائس الكتب التي جمعها الخليفة، للإتلاف على يد جيش تيمور لنك بحدود العام 1400 ميلادي، لينتهي دورها العلمي لنحو 200 عام.
عادت بعدها المدرسة المستنصرية لاستقبال الطلاب مجدداً، لكن سرعان ما تحولت، في أواخر الحقبة العثمانية، إلى مخزن بضائع، ومن ثم إلى مقر حكومي للجمارك، حتى العام 1940، عندما انتقلت ملكية بناية المستنصرية إلى المديرية العامة للآثار، باعتبارها بناية أثرية عريقة.
وشهدت المدرسة، في بداية ستينيات القرن الماضي، حملة صيانة وترميم شاملة، أعادت لها مكانتها التاريخية والعلمية، لتنجو العام 2003 من القصف الذي تعرضت له بغداد خلال الغزو الأمريكي للعراق، وتظل شامخة وشاهدةً على عصر العلم حتى اليوم.