زيلينسكي: متمسكون بطلب وقف الهجمات على البنى التحتية وننتظر رد موسكو
مطالبة الكاتب بالتوقّف عن الكتابة والتقاعد، ليست سهلة، فمن سيتحمّل وزر مواجهته، بانخفاض منسوب الإبداع في كتبه الأخيرة؟ لكن من جانب آخر، هل يمكن الصمت نقدياً، عن نتاج الكاتب إذا بدأ بالانحدار بعد تقدمه بالسنّ؟
يفضل الكثيرون، أن يكون قرار التقاعد طوعياً، يقرّره الكاتب بنفسه. لكن ماذا لو تورطت وسائل الإعلام، باستقدام كتابٍ اشتهروا بإبداعاتهم القديمة، ولاحقاً عانوا من انخفاض الإبداع، ألا يعتبر ذلك غشّاً للمبدع واستثماراً لمجده القديم أو استغلالاً لحاجته المالية، مع أن سوية إنتاجه الراهن تقول له: توقف.
ربط الإبداع بالعمر، يؤيده العالم أينشتاين بالقول: "إنّ من لم يقدم أعظم أعماله قبل سن الثلاثين، فهو في الغالب لن يفعل"، وهو ما حصل مع "إليوت" منجز "الأرض اليباب" وهو في العشرينيات، وفرانز كافكا الذي كتب "أمريكا" وكان عمره 29 عاماً، ولا ننسى طرفة بن العبد، الذي كتب معلقته ومات صغيراً في الـ27 من العمر.
ولكن هذا الربط، لا يصح في تجارب أخرى، فتولستوي كتب "الحرب والسلام" و"آنا كارنينا" وهو في الخمسينيات، أما فرانك ماكور، فأنجز "رماد أنجيلا" ونال جائزة "بوليتزر" بعد الخمسين، وهذا ينطبق على ريتشارد آدامز صاحب "واترشيب داون"، وجين أوستن صاحبة "الأرض الجديدة" وغيرهم كثر.
يقول الشاعر منذر مصري، إن الكاتب والفنان في عمر معين، لا يعود مهتماً بنظرة النقاد أو تقبل القراء أو مبيع الكتب، ويضيف لـ"إرم نيوز": "كتب جون بيرجر عن مرحلة بيكاسو الأخيرة بسلبية شديدة، لكن بيكاسو في تلك المرحلة لم يعد لديه أي معيار في الرسم، ومثله فاتح المدرس".
ويرى الشاعر منذر مصري، أن المبدع يقيم بأعماله في النهاية، بصرف النظر عن العمر، ويضيف: "لا مشكلة إذا انحدر أرسكين كالدويل أو جون شتاينبك، فما كتبوه في أوجهم، تم تصنيفه وتقييمه".
ويوافق الشاعر صقر عليشي، على أن بعض الكتاب، يخفت لديهم وهج الإبداع في سنيهم المتأخرة. ويذكر لـ"إرم نيوز": "نستغرب أحياناً الفارق الهائل بين ما كتبه البعض في مقتبل العمر، مقارنة مع سنهم المتأخرة، وربما يرجع ذلك إلى الذاكرة والأعصاب".
لكن عليشي يرى أن مطالبة الكاتب بالتقاعد، ليست منطقية، ويسمي تلك الظاهرة بشرّ لابد منه، ويضيف: "هناك مبدعون ازدادوا توهجاً مع تقدم العمر والتجربة وزيادة المعرفة. وقد عرف الأدب العالمي شخصيات كبيرة، لم تكتب وتظهر للنور إلا في آخر عمرها بعد تجاوز سن الخمسين".
الشاعر علي سفر، يرى وجهين للقضية، يمثلهما المبدع الموظف والمبدع المستقبل، يقول سفر لـ"إرم نيوز": "طاقات المبدع الموظف، تخضع لتقلبات المؤسسة وتنامي حاجياتها، فإذا اختلف النتاج الإبداعي والصحفي للكاتب، وجب على المؤسسة أن تعمل على وضعه في مرتبة تجنبه الإحراج.
ويضيف الشاعر علي سفر: "مشكلة تراجع الإبداع، قد لا ترتبط بأعمار الكتاب، بل بالتغيرات العامة التي لا يستطيعون مواكبتها. عندها يجب تقليل عدد زوايا الكاتب، ومنحه مساحة للعمل على نتاجه، وهنا يصبح قرار التقاعد تدريجياً".
أما بالنسبة للمبدع المستقل، فيرى سفر أن السوق الإبداعي في جانبه التجاري، سيفرض على المبدع شروطه، ويقول: "دور النشر تلعب دوراً مهماً، فهي التي تخبر الكاتب بضرورة أن يتمهل كثيراً قبل أن ينشر، لأن أرباحها مرتبطة بنجاح عمله".
ويشير سفر إلى حالة الغبن التي يعاني منها المبدع العربي، بسبب عدم حصوله على التقدير في الوقت المناسب، واضطراه للمحاباة والتزلف للممول الذي لا تهمه أرباح المؤسسة، ويضيف: "هذا يؤدي إلى إصابة المبدعين بالكسل واستمراء التكسب من وراء هذه العلاقات. لتصبح العملية الإبداعية علاقات عامة، الإبداع فيها ليس مهماً، ولا علاقة للعمر في العملية كلها".
الشاعر عليشي عقد مقارنة بين نزار قباني ومحمود درويش، من حيث إنتاجهما في أواخر العمر، وقال: "تمنيت ألا يكون بين دواوين نزار قباني ديوانه الأخير الذي طبع بعد رحيله، ففيه من الهنّات ما لا يصدق. في حين ظل محمود درويش يزداد توهجاً إلى أن رحل".
تؤكد إبداعات الكتّاب المتباينة، أن المسألة محكومة بخصوصية التجارب، لكن خيار التوقف عن الكتابة والتقاعد، يبدو مرتبطاً بالكاتب صاحب القرار والكلمة الفصل، أما النقاد، فيمكنهم أن يضيئوا على النصوص، دون مطالبة المبدع بالتوقف عن الكتابة.