logo
تحقيقات استقصائية

3 سنوات على حكم طالبان.. الفوضى والمجاعة "تجتاحان" أفغانستان

3 سنوات على حكم طالبان.. الفوضى والمجاعة "تجتاحان" أفغانستان
طالبان.. 3 سنوات من الحكم في أفغانستانالمصدر: إرم نيوز
15 أغسطس 2024، 6:42 ص

"لقد مرّت 3 سنوات بالفعل... كلّ شيء سوداوي في أفغانستان. أفكر كيف يمكن لـ 20 عاماً من الإنجازات والنمو، أن تختفي خلال ساعات، ونخسر كلّ شيء، نحن نعيش الآن أحلك الأوقات في تاريخ أفغانستان".

الكلام لـ "صحرا كريمي" (Sahraa Karimi) المخرجة الأفغانية الشهيرة التي كانت تهرب في كابول، بينما كانت طالبان تجتاح العاصمة، وتستولي على المقرّات الحكومية في 15 أغسطس العام 2021. حينها انتشر التسجيل بشكل كبير وشكّل مع ما ورد من هناك من مشاهد مرعبة، علامةً فارقة في المشهد الأفغاني. 

تقول كريمي في لقاء حصري مع "إرم نيوز" إنّها لا تستطيع أن تنسى ذلك اليوم... "كنت في المصرف وكان يوماً عادياً جدّاً، ثمّ انهار كلّ شيء. كنت أواجه أصعب لحظة في حياتي، وكان عليّ حينها أن أقرر ما الذي يجب أن أفعله، هل أبقى أم أغادر".

وتضيف: "لا يمكنني أن أنسى ساعات اليأس والخوف والقلق.. آنذاك قلت لنفسي أنا مخرجة والناس لا تعرف حقيقة ما يجري في أفغانستان، لذا عليّ أن أستخدم منصتي، وأسجل تلك اللحظات التاريخية المأساوية".

سقوط أفغانستان

مع انهيار السلطة في أفغانستان كانت الأمور تسير بشكل دراماتيكي، وقد أثارت تلك المشاهد الواردة من هناك حينها صدمة جعلت الجميع يقف مشدوهاً أمام حقيقة ما يحصل في أفغانستان. وللوهلة الأولى لم نكن ليصدّق العالم ما يجري خصوصاً مع انتشار مشهد الشبان يسقطون من الطائرة العسكرية التي تشبثوا بها لحظة إقلاعها، ظنّاَ منهم أنّها خشبةُ خلاص.

كان ذلك هو الحال قبل 3 أعوام، حين كتبت حركة طالبان فصلاً جديداً في حكم أفغانستان، وعادت إلى السلطة مرّة ثانية، وكان الأفغان يستشرفون عنوان حقبة مأسوية في السنوات القادمة. 

أخبار ذات علاقة

منذ عودة طالبان.. 1.4 مليون فتاة حُرمن من الدراسة في أفغانستان

 

3 سنوات على حكم "طالبان"

لم يكن من السهل على فريق "إرم نيوز" الاستقصائي التجوال في شوارع العاصمة كابول والتصوير، وذلك جرّاء التضييق على الإعلام من قبل طالبان، التي طلبت من الفريق الاستقصائي هناك التوقيع على تعهّد بعدم عرض ما يمكن أن يُلحق الضرّر بها أو الإساءة إلى سمعتها. وعليه، انتقل الفريق إلى ولاية هيرات التي تقع غرب أفغانستان، ومع ذلك فإنّ الأمر لم يكن بتلك السهولة، لكن بعد محاولات عديدة تمكّنا من العودة بشهادات توثق حجم المعاناة التي يعيشها الأفغان. 

يكسب الأفغاني تاج محمد ناصري (53 عاماً) 200 روبية في اليوم، وتترتب عليه أعباء معيشية كثيرة كونه ربّ أسرة تتكون من 6 أفراد، فثمّة فواتير الماء والكهرباء وإيجار المنزل، بالإضافة إلى نفقات طبية ضرورية.

ولدى سؤاله عمّا إذا كان بإمكانه تلبية احتياجات عائلته بدخله الحالي، قال لـ "إرم نيوز": "بذلك الدخل يمكننا شراء 10 أرغفة خبز، و3 كيلوغرامات من الزبادي وإعداد وعاء من اللبن الرائب للإفطار. كما يمكن أن نشتري كيلوغراما أو كيلوغرامين من البطاطس لتناولها مع بعض الأرز".

وتابع: "لا نحن ولا أولادنا رأينا خيراً في الحياة، أولادنا بملابسهم الممزقة يجمعون الزجاجات والقمامة... وحتّى القمامة يصعب إيجادها". 

وعمّا إذا كانت عائلته تتناول 3 وجبات في اليوم، أجاب: "نعم نتناول 3 وجبات، على الإفطار نتناول الشاي والخبز الجاف، وعلى الغداء البطاطس".

أفغانستان تحت وطأة الجوع والفقر والبطالة

تعاني أفغانستان اليوم أكبر أزمة إنسانية في العالم وأبرز عناوينها، الجوع والفقر والبطالة، إذ إنّ الملايين من الأفغان يحاولون بشكل يائس تجنّب المجاعة في بلد يعيش فيه الكثيرون على الخبز والماء فقط. 

وعائلة تاج محمد ناصري لم تتناول وعائلته اللحوم منذ فترة طويلة، وحاله لا يختلف عن حال غالبية الأفغان الذين يتراوح دخلهم اليومي ما بين 3 دولارات إلى نحو 6 دولارت فقط. 

الأفغاني عبد الصبور عثمان (50 عاماً) وهو ربّ أسرة مكوّنة من زوجة و8 أطفال، يقول لـ "إرم نيوز" إنّه يكسب من 50 إلى 100 روبية في اليوم، موضحاً أنّ" ذلك ليس كافياً.. هل أدفع الإيجار أم فواتير المياه أم فواتير الكهرباء؟

 لعبة قذرة

صعود طالبان إلى السلطة كان نقطة تحوّل كبيرة بالنسبة لأفغانستان، إذ إنّ نحو 85% من الأفغان يعيشون بأقل من دولار واحد يومياً، وقد ساء الوضع بشكل ملحوظ بعد أغسطس 2021، خصوصاً بالنسبة للنساء اللواتي يواجهن حالياً قيوداً شديدة تمنعهن من التعليم ومعظم الوظائف وفق ما تقول الأمم المتحدة.

وفي السياق تقول صحرا كريمي إنّ "نساء أفغانستان يواجهن أصعب الأوقات في حياتهن، لا يستطعن الذهاب إلى المدرسة ولا إلى العمل، ولا يستطعن السفر… لا يمكنهنّ العيش بحرية كأيّ إنسان، فيما يتعرّض الشعب الأفغاني للتعذيب على يد طالبان التي تحاول إقناع العالم الخارجي أنّها تغيّرت، لكنّ الشعب الأفغاني الذي يواجه العديد من الصعوبات، يعلم أنّ طالبان تلعب لعبة قذرة للغاية من أجل مصالحها الخاصة والحصول على اعتراف دولي بوجودها".

الفقر في الذروة

حجم الفقر في أفغانستان وصل إلى ذروته، وقد قالت منظمة الأمم المتحدة في 10 مارس الماضي إنّ نحو 24 مليون شخص، من أصل نحو 40 مليون نسمة، يحتاجون إلى دعم إنساني منقذ للحياة العام الجاري، فيما نحو 4 ملايين أفغاني يعانون سوء التغذية الحاد بما في ذلك أكثر من 3 ملايين طفل دون سن الخامسة.

وهنا يقول غول جبار أحمدي (65 عاماً) إنّ "الوضع ليس جيداً. لم يعد بإمكاننا كسب لقمة العيش كما في السابق، وقد أصبح الناس هنا ضعفاء للغاية ومنهكين على المستوى الاقتصادي".

ومن جهته يوضح الأفغاني مللا جمعة غول (50 عاماً) إنّ مصدر دخله الوحيد هو العمل اليومي، وفي بعض الأحيان لا يعمل وهو الآن مدين. ويقول لـ "إرم نيوز": "ليس لدينا أيّ شيء في المنزل، لا الشاي ولا الطعام... حتّى عود الثقاب لا نملك".    

يتابع: "كان لدينا موقد وأسطوانة غاز وثلاجة، لكنّنا بعنا كلّ شيء من أجل أن نشتري الطعام. أنا لست الفقير الوحيد هنا، وهناك مَنْ يقول إذا بعت ابنتك سأعطيك آلاف الدولارات، وهناك مَن باع بناته، ويحدث ذلك نتيجة الفقر الشديد".

كانت أفغانستان تعتمد بشكل شبه كامل على التمويل الأجنبي خلال 20 عاماً، وقد أدّى تجميد معظم تلك الأموال في أغسطس 2021 إلى دفع الاقتصاد الأفغاني للسقوط الحر، ذلك السقوط الذي عكسته شهادات الأفغان الذين تحدثوا لـ "إرم نيوز"، والتي بيّنت بجلاء أنّ الفقر المرتبط بالدخل تفاقم فيما المساعدات الإنسانية التي تعتبر شريان حياة للأفغان لا تكفي لتلبية الاحتياجات المتزايدة.

وسط ذلك الواقع المرير بكلّ ما للكلمة من معنى، لا تجد صحرا كريمي أيّ جدوى من مخاطبة طالبان أو توجيه رسالة إليهم، فيما يعتليها أمل بأنّ تلك الجماعة المتشدّدة سترحل يوماً ما مجدداً.  

وتقول: "رسالتي هي لشعبي ونساء وفتيات أفغانستان، فأمر طالبان لا يهمّني. نحن نعرف ما الذي يفعلونه، وواثقون أيضاً أنّهم لن يبقوا للأبد في السلطة، لذا علينا أن نحاربهم وسننتصر وسيدفعون ثمن كلّ العذاب الذي مارسوه علينا".

أخبار ذات علاقة

في ذكرى عودتها للحكم.. سياسي أفغاني يتحدث لـ "إرم نيوز" عن "كابوس طالبان"

 

ملايين اللاجئين والنازحين

منذ الانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية وقوات التحالف قبل 3 أعوام، واستيلاء طالبان على السلطة، فرَّ ملايين اللاجئين الأفغان وكذلك نزح الملايين، حتى بات يشكل اللاجئون الأفغان ثالث أكبر عدد من النازحين في العالم، ويُقدَّر أنّ أكثر من ثمانية ملايين لاجئ يقيمون في أكثر من 100 دولة. 

وصحرا كريمي هي واحد من هؤلاء الذين تملّكهم الغضب حينها، وهي تمثل نموذجاً جميلاً للسيدات الأفغانيات اللواتي لديهن الكثير لتقديمه لولا بطش طالبان بالمرأة وتقييدها.

وتوضح لـ "إرم نيوز" قائلةً: "سأعود إلى أفغانستان عندما لا تكون طالبان في البلاد. اشتقت إلى بلدي، لكن لا أريد أن أعود وأمنحهم نوعاً من الاعتراف غير المباشر". 

على مدى 20 عاماً كان الأفغان يحاولون إعادة بناء حياتهم مجددا، فدخلوا معترك الحياة التي سعوا إلى أن تكون محافظة وعصرية في آن... 20 عاماً ظنّ خلالها الأفغان أنّ كابوس طالبان لن يعود، وإذ به يعود مجددا، لتُسقط لعبة السياسة والمصالح كلّ شيء في لحظات، لتصبح أفغانستان بحدّ ذاتها إحدى أهم المستنقعات في العالم.

شاهدوا أيضاً: عروس أفغانستان القاصر.. بيع الفتيات لسداد الديون وسط عجز طالبان

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC