يرى خبراء أن التصريحات التركية الأخيرة بشأن منح الأكراد حقوقا متساوية ورفع الظلم التاريخي عنهم يأتي في سياق إعادة صياغة موقف أنقرة من القضية الكردية في سوريا، خاصة بعد اتفاق "الشرع - عبدي"، الذي يُنظر إليه كعامل مؤثر في تليين الخطاب التركي حيال الأكراد السوريين.
ويشير الخبراء إلى أن الموقف التركي لطالما تأثر باعتبارات أمنية وسياسية إقليمية، إلا أن التطورات الأخيرة تعكس رغبة أنقرة في اتباع نهج أكثر مرونة، ربما استجابة لتغيرات داخلية وإقليمية، بما في ذلك إعادة ترتيب الأوضاع في الشمال السوري.
ويرى البعض أن تركيا، التي كانت ترفض أي صيغة تمنح الأكراد دورا موسعا في سوريا، باتت تدرك أن تجاهل القضية الكردية لم يعد خيارا عمليا؛ ما يفسر دعوتها دمشق إلى منح الأكراد حقوقا متساوية، في خطوة تعكس توازنا جديدا في تعاملها مع الملف السوري.
حول هذا الموضوع، قال عضو المكتب السياسي في حزب اليسار الديمقراطي الكردي في سوريا، عمران السيد، إن الموقف التركي، وفق تصريحات وزير الخارجية هاكان فيدان، بشأن سوريا بشكل عام، والأكراد بشكل خاص، يأتي في سياق مشروع يؤثر على المنطقة بأكملها، حيث تعد الأزمة السورية جزءا أساسيا في هذا المشروع.
وأكد السيد لـ "إرم نيوز" أن القضية الكردية ستكون حاضرة في أي ترتيب مستقبلي يخص سوريا والمنطقة، مشيرا إلى أن اتفاقية "الشرع – عبدي" تُعد محطة مفصلية في القضية السورية، خاصة مع كون تركيا طرفا فاعلا لا يمكن تجاهله في أي مسار يتعلق بالأكراد.
واعتبر أن لهذه الاتفاقية تأثيرا على الموقف التركي، حيث تنظر إليها أنقرة على أنها امتداد لاتفاق سابق حول حل حزب العمال الكردستاني، مستشهدا برسالة عبد الله أوجلان التي تضمنت رؤية للحل مع تركيا.
وأوضح السيد أن الأتراك يرون القضية الكردية ضمن إطار إداري وخدمي يمكن حله بمنح الأكراد حقوقا تحت نظام المواطنة المتساوية، بينما يرى الأكراد أن القضية وطنية، وأن الحل يكمن في الاعتراف الدستوري بحقوقهم وتجسيد ذلك في نظام لا مركزي ديمقراطي.
وأضاف هذا "يعكس فجوة كبيرة بين الطرفين، رغم محاولة تركيا تقديم مقاربة جديدة تُظهر تفهماً أكبر، إلا أن الأكراد يدركون أبعاد هذه المقاربة ولن ينخدعوا بها".
من جانبه، شدد عضو اللجنة المركزية في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)، عماد مجول، على الدور المحوري لتركيا منذ بداية الأزمة السورية، حيث تمتلك تشابكات واسعة مع الفصائل المسلحة التي كانت تسيطر على الشمال السوري.
وأضاف لـ "إرم نيوز" أن تركيا، بحكم جوارها الجغرافي وحدودها الطويلة مع سوريا، لديها دوافع مباشرة للتدخل، مشيراً إلى أن تصريحات المسؤولين الأتراك حول منح الأكراد بعض حقوقهم جاءت بعد دعوة عبد الله أوجلان لإطلاق عملية سلام في تركيا؛ ما أثر إيجابا على الوضع في سوريا، خاصة أن الأكراد يسيطرون على مناطق واسعة في شمال شرق البلاد تحت مسمى إدارة الحماية الذاتية.
وبيّن أن لتركيا تاريخا معقدا في تعاملها مع القضية الكردية داخل حدودها وفي الدول المجاورة كسوريا والعراق، معتبرا أن الاتفاق بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) كان من العوامل التي أسهمت في تليين الخطاب التركي.
وأوضح أن سياسة أنقرة تجاه الأكراد السوريين تتسم بالتعقيد وتخضع لتأثيرات إقليمية ودولية متعددة، مما يجعل الحوار والتفاوض أمرا حتميا لمصلحة جميع الأطراف، بما في ذلك تركيا وسوريا والأكراد، خاصة في ظل التطورات الأخيرة في الساحل السوري والتي جرت تحت مسميات متعددة.