نتنياهو لخصومه: لدي هذا المساء كشف دراماتيكي لحقائق "ستزعزعكم"

logo
العالم العربي

"المنطقة الآمنة".. هل تختبر إسرائيل "صمت دمشق" في جنوب سوريا؟

"المنطقة الآمنة".. هل تختبر إسرائيل "صمت دمشق" في جنوب سوريا؟
بنيامين نتنياهوالمصدر: رويترز
26 فبراير 2025، 2:12 م

تجري إسرائيل تحركات عسكرية تفضي إلى فرض ما تسميه تل أبيب "المنطقة الآمنة" في الجنوب السوري، والتي يريدها الجيش الإسرائيلي خالية من أي وجود عسكري "معادٍ" لها، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل تختبر "صمت دمشق" في جنوب البلاد.

وبدأت إسرائيل، منتصف الليلة الماضية، تحركات برية وجوية في جنوب سوريا، مع إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أن قواته "سترد بالنار" على أي محاولة من الحكومة السورية أو من "التنظيمات الإرهابية" للانتشار ضمن "المنطقة الآمنة".

الحكومة السورية من جانبها لم تقم بأي تحرك علني مباشر إزاء التحركات، فيما انقسم الرأي العام السوري بين من يرى في تلك التحركات تعبيراً عن المطامع التاريخية لإسرائيل في الأراضي السورية، أو محاولة للضغط على دمشق للتطبيع، وبين من يراهن على أن تقود هذه التطورات للضغط على حكومة دمشق لتشكيل حكومة أوسع يشارك فيها سوريون من مختلف المكونات.

ولكن بعيداً عن القوالب المسبقة والمناكفات.. ما حقيقة ما يحصل؟ وكيف يمكن للحكومة السورية التعامل مع هذه التطورات؟ وهل يمكن لها العثور على مخرج سريع؟

التحركات الإسرائيلية

في 10 ديسمبر/ كانون الأول، وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رسالة للحكومة السورية قال فيها إن إسرائيل تريد إقامة علاقات معه، وإن إسرائيل ليس لديها نية للتدخل في الشؤون الداخلية لسورية، ولكنها ستفعل ما هو ضروري لضمان أمنها.

وأكد نتنياهو أن بلاده سترد إذا ما سمح النظام الجديد لإيران بإعادة تأسيس نفسها في سوريا، أو إذا ما سمح النظام بنقل الأسلحة إلى "حزب الله". 

الموقف الجديد لنتنياهو، في 23 فبراير/ شباط، يمثل تغييراً كاملاً في الموقف الإسرائيلي باتجاه رفض حتى لوجود قوات النظام السوري في محافظات الجنوب المحاذية لإسرائيل.

فهل قررت إسرائيل بدء تطبيق أجندة توسعية قديمة طالما حلمت بتطبيقها كما يقول بعض السوريين؟ أم أنها تحاول الضغط على النظام السوري الجديد باتجاه تطبيع العلاقات معها؟

الأكيد أن إسرائيل غير مهتمة بتطبيع العلاقات، حالياً، مع الحكومة السورية، ومن المرجح أنها لن تهتم بهذا التطبيع على المدى المنظور، إلى أن يصبح بحوزة الحكومة الجديدة أوراق قوية تتلاقى مع المصالح الإسرائيلية.

أما الأجندة التوسعية فهي ملف يصعب مناقشته بشكل موضوعي؛ فإسرائيل لديها طموحات بضم الضفة الغربية وقطاع غزة، ويصعب المحاججة بأنها لا تريد المزيد من الأراضي.

ولكن بالمقابل لا تريد إسرائيل أن تصبح مسؤولة على المدى الطويل عن المزيد من السكان العرب وبشكل يهدد التوازن الديموغرافي الإسرائيلي. ومنطقة الجنوب السوري، بالرغم من النزوح الذي شهدته منذ 2011، لا يزال يقطنها ما بين مليون ومليون ونصف المليون سوري.

وهذه المنطقة من سوريا لا تضم ثروات طبيعية تثير لعاب إسرائيل. ولو كان لدى إسرائيل أجندة توسعية قديمة بالفعل لكانت تحركت باكراً باتجاه السيطرة على الجنوب السوري قبل أن تسنح للنظام الجديد في دمشق الفرصة لتوطيد حكمه.

ومن المستبعد أيضاً أن تكون إسرائيل متخوفة من التوجهات الإسلامية لحكام سوريا الجدد. هذا القول لا يعني أن إسرائيل مرتاحة بالكامل لهذه التوجهات، ولكنها أيضاً لا ترى فيها بالضرورة تهديداً حتمياً. فهي تعلم أن النظام السوري الجديد يدرك نقاط ضعفه ومحدودية خياراته في مواجهة إسرائيل، وأنه سيعمل كل ما بوسعه لتجنب الصدام معها أو حتى إثارة مخاوفها.

وتبدو المخاوف الأمنية الإسرائيلية منطقية وواقعية. وفترة الأسابيع الأحد عشر التي فصلت بين تصريحي نتنياهو، في 10 ديسمبر/كانون الأول و23 فبراير/شباط، يمكن اعتبارها فترة استكشاف من الجانب الإسرائيلي لما يدور في سورية وللمسارات التي تمضي إليها البلاد.

وبينما تزعم الحكومة السورية الجديدة، ويروج المقربون منها، لقرب حصول انفراجات اقتصادية كبيرة، تقول المؤشرات الموضوعية إن المخاوف حول استقرار البلاد تتزايد بشكل متسارع.

وأي تمعن موضوعي في المشاكل المختلفة التي تعيشها سورية سيخلص إلى أن هذه المشاكل تتفاقم بشكل مقلق، وأن الحكومة الحالية لا تمتلك الخبرة للتعامل معها.

وعلى الصعيد الأمني، لا يزال جزء كبير من مساحة سورية خارج سيطرة الحكومة السورية. كما تتوالى الاشتباكات بين قوات الحكومة الجديدة وبين ما يصفه بفلول النظام السابق. آخر الاشتباكات وقعت في داخل العاصمة السورية نفسها، في منطقة القابون، مساء 24 فبراير/شباط، واستمرت ساعات عدة.

وتتواتر التقارير حول فوضى أمنية غير مسبوقة في منطقة حمص. وحتى من داخل النظام الجديد، تتواتر التسريبات عن تباينات بين الفصائل المسلحة التي انضوت، سابقاً، تحت مظلة "إدارة العمليات العسكرية" خلال الهجوم الأخير الذي أسقط النظام السابق.

التباينات تتعلق تحديداً بنفوذ "هيئة تحرير الشام" وإصرارها على الحفاظ على بنيتها القتالية الأصلية، وذلك عبر إعادة تسمية ألويتها الأربعة بأسماء فرق مع الحفاظ على قادتها الأصليين، بينما تحاول تفريق عناصر الفصائل الأخرى على تشكيلات عسكرية مختلفة ليصهروا في بوتقة الجيش الجديد، وتبقى "هيئة تحرير الشام" هي النواة الصلبة. 

أما اقتصادياً ومعيشياً، فما زالت الحكومة مستمرة في عمليات تسريح الموظفين الحكوميين مع التأخر بدفع رواتب المتبقين من الموظفين بأكثر من أسبوعين في كل مرة.

ولم تتلقَ الحكومة السورية أي مساعدات دولية، ولم تبادر هي أصلاً بالتحرك لطلب المساعدات. بل يكتفي مسؤولوها بالحديث عن الإنجازات والترويج للمستقبل الاقتصادي الوردي – كما فعل وزير الخارجية أسعد الشيباني خلال منتدى دافوس، في يناير/ كانون الثاني، وخلال القمة العالمية للحكومات في دبي في فبراير/شباط.

أخبار ذات علاقة

بعد التصعيد الإسرائيلي "الكبير".. ما خيارات سوريا للرد؟

كما فشلت الحكومة السورية بتأمين أي توريدات نفطية بحرية، علماً بأن آخر شحنة نفط بحرية وصلت الموانئ السورية، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وكانت ضمن المساعدات الإيرانية للنظام السابق.

وفي 13 فبراير/شباط، أعلن المدير العام للمؤسسة السورية للمخابز، محمد الصيادي، تخفيض وزن ربطة الخبز من 1,500 غرام إلى 1,200 غرام وذلك نتيجة انخفاض مخزون البلاد من القمح والذي بات يكفي لأربعة أشهر فقط.

وما هو مقلق أكثر هو أن الحكومة السورية، وبعد أسبوعين على هذا التصريح الخطير، لم تتحرك وتعلن عن أي مناقصات لتوريد القمح، ولم تناقش هذا الملف مع أي من الحكومات أو المنظمات الدولية.

ملخص المشهد السوري – بعين إسرائيل والولايات المتحدة من خلفها – هو وجود مساحات شاسعة لا يعلم من يسيطر عليها، وأن النظام الجديد يواجه تحديات أمنية في قلب البلاد، في العاصمة دمشق وفي مدينة حمص ومحيطيهما، وأن الوضع المعيشي والاقتصادي يتدهور بشكل متسارع، ويقترب من لحظة الانفجار، والتي قد تحصل خلال أسابيع عديدة فحسب.

ووسط غياب أي تحرك إقليمي أو دولي لاحتواء هذه الأزمات المتسارعة، ترى إسرائيل أنها لن تكون في مأمن من عواقب الانفجار السوري المحتمل.

ولهذا تريد لجنوب سورية أن يكون منطقة آمنة تعزل تداعيات ما يحصل في سورية عن الجولان السوري المحتل والداخل الإسرائيلي. ومن المرجح أن الولايات المتحدة تشارك إسرائيل مخاوفها. ولهذا أوقفت مسار رفع العقوبات عن سورية، بحسب ما كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في 24 فبراير/ شباط.

أخبار ذات علاقة

لمواجهة إسرائيل.. "جماعة إسلامية" تعلن النفير العام في جنوب سوريا

 

خيارات دمشق

من المستبعد أن تتمكن الحكومة السورية الحالية خلال فترة وجيزة من طمأنة المخاوف الإسرائيلية، والأمريكية بطبيعة الحال، حول قدراتها الأمنية والإدارية.

ومن المرجح أن فترة الأشهر الثلاثة الأخيرة كانت هي نافذة الفرصة التي فشلت الحكومة السورية باغتنامها بالشكل المناسب لإظهار إدراكها للتحديات المعقدة والمتنوعة التي تواجهها.

وحتى بعد إصدار نتنياهو لإنذاره الأخير للنظام الجديد بالخروج من محافظات الجنوب السوري، فشل النظام بالارتقاء لمستوى التحدي. إذ اكتفت بعض المصادر المقربة منه بالترويج لإمكانية تدخل تركيا لحل المشكلة مع إسرائيل، وتقديم الضمانات الأمنية التي تحتاجها الأخيرة. إلا أن تركيا لم تقم بأي تحرك أو تصدر أي موقف علني إزاء التحركات الإسرائيلية في الجنوب السوري.

أخبار ذات علاقة

"غليان شعبي" ودعوات للتظاهر.. تصريحات نتنياهو تشعل الجنوب السوري

وفي الحقيقة، من المستبعد أن تكون إسرائيل قد قررت التدخل المباشر في سورية دون أن تكون أوصلت، مسبقاً، رسائل لتركيا حول نواياها ومخاوفها في الجنوب السوري. إلا أن إيصال الرسائل لتركيا لا يعني بالضرورة أن تقبل إسرائيل بأن تتولى تركيا بشكل مباشر، وبالنيابة عنها، توفير الضمانات الأمنية اللازمة في الجنوب السوري.

ففي عالم ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لن تسلم إسرائيل أمنها لأحد، خاصة لمن يمتلك مواقف متذبذبة تجاهها وتجاه حركة "حماس". كما أنه من المستبعد أصلاً أن تكون تركيا بوارد القيام بهذه المهمة، وسط حرصها على عدم تحمل المزيد من الأعباء في الملف السوري.

ما تقدم لا يهدف للتهوين من التداعيات المحتملة للتحركات العسكرية الإسرائيلية في الجنوب السوري. فهذه التحركات قد تفتح الباب أمام المزيد من التدخلات العسكرية الخارجية، وستقوّي النزعة الفيدرالية بما يزيد احتمال مضي سورية نحو جولات إضافية من الاقتتال الأهلي.

أخبار ذات علاقة

تسريبات تكشف مناقشات نتنياهو السرية حول الجنوب السوري

ولهذا، يجب على الحكومة السورية سوى خيار التحرك المباشر لإيجاد ترتيبات تسحب من إسرائيل أي ذرائع للتحرك عسكرياً في الجنوب السوري. وعلى الحكومة السورية أن تظهر للمراقبين جميعهم أنها لن تتهرب من مسؤولياتها، أو تختبئ خلف السرديات المؤامراتية. بل عليها أن تظهر قدرتها على اتخاذ القرارات الجذرية والضرورية لطمأنة المعنيين، ونزع فتيل الأزمات الوشيكة.

وفيما يخص الجنوب السوري تحديداً، يبدو أن الخيار المتوازن الوحيد المتوافر هو البحث عن قوى دولية مستعدة للانتشار عسكرياً وأمنياً في الجنوب السوري، وضمان عدم ظهور أي تهديدات فيه لأي جهة كانت.

ويجب أن تكون هذه الجهات الدولية دون أي أجندة أو رغبة أو قدرة على التأثير في وحدة الأراضي السورية. قد يكون الحل المتوازن الوحيد هو طلب تدخل قوات عربية بغطاء من الجامعة العربية للانتشار في محافظات الجنوب السوري.

أخبار ذات علاقة

إسرائيل تتوغل في 3 مناطق جديدة جنوب سوريا

مثل هذا الانتشار أو الدور العربي في سورية يمكن أن ينزع فتيل الأزمة الحالية مع إسرائيل، كما يمكن أن يطمئن المكونات السورية المختلفة، التي بدأ بعضها يطلب الحماية الدولية. لا نعلم يقيناً ما إذا كان النظام السوري الجديد يفكر بهذه الطريقة، أو ما إذا كان مستعداً للقيام بمثل هذه الخطوات. ولكن التمعن في المشهد السوري لا يقدم الكثير من المخارج.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC
مركز الإشعارات