الجيش الإسرائيلي: إنها "المرة الأولى" التي يطلق فيها حزب الله صاروخا نحو تل أبيب

logo
العالم العربي

سلاسل توريد من آسيا إلى أوروبا .. كيف يحصل "حزب الله" على قائمة احتياجاته؟

سلاسل توريد من آسيا إلى أوروبا .. كيف يحصل "حزب الله" على قائمة احتياجاته؟
عناصر من حزب اللهالمصدر: رويترز
23 سبتمبر 2024، 6:39 ص

كشفت عملية تفجير أجهزة "البيجر" والـ"ووكي توكي" التي طالت الآلاف من عناصر ميليشيا "حزب الله" عن مخطط استخباري إسرائيلي بدأ قبل 15 عامًا، وعمل سرّي ومستمر للموساد الإسرائيلي حتى لحظة التفجير في السابع عشر والثامن عشر من شهر سبتمبر الجاري، لكنها كشفت أيضًا وقبل ذلك، قدرة حزب الله على تأمين شبكة من المزودين وشبكات التوريد ممن يستخدمهم حزب الله للحصول على احتياجاته اللوجستية وحتى العسكرية، والتي شكّلها الحزب، طيلة سنوات، عبر رجال أعمال أو واجهات أو عناصر تنتشر في غير مكان من العالم، بما في ذلك أقرب حلفاء إسرائيل.

حلول "التفافية"

لعل الحديث عن شبكات نفوذ ودعم حزب الله والطريقة التي يعتمدها لتأمين احتياجاته، تحيل مباشرة إلى إيران، الداعم الأكبر لحزب الله، باعتبارها صاحبة التجربة الأبكر في التحايل على العقوبات والتضييق الدولي عليها. فإيران أدركت، منذ بدأت مدَّ نفوذها في الشرق الأوسط قبل 45 عامًا، أنها لن تكون بلدًا طبيعيًا، بعلاقات خارجية وتجارية طبيعية، وأنها ستضطر للجوء للارتجال والقبول بالحلول الالتفافية، وغير التقليدية، واستخدام ما يتوافر من مكونات لسد الثغرات في قدراتها، وفقًا لخبير عسكري تحدث لـ"إرم نيوز"، وطلب عدم الكشف عن اسمه.

يقول الخبير: "خلال العقود الماضية لم تستطع إيران اقتناء أسلحة حديثة بشكل مباشر، وكان ذلك بسبب ثنائية العقوبات، والتكلفة الباهظة لهذه الأسلحة. فكان الخيار هو إنتاج أسلحة غير معقّدة ومنخفضة التكلفة يمكن نقلها بسهولة إلى وكلائها في المنطقة، وكذلك يمكن تدريب وكلائها على الحصول على مكونات هذه الأسلحة بشكل مباشر وتجميعها محليًا".

أخبار ذات علاقة

"كل جهاز على حدة".. تقرير إسرائيلي يكشف "معلومات صادمة" عن تفجيرات البيجر

 

ويؤكد على ذلك الباحث السوري المقيم في بريطانيا د.محمد صالح الفتيح، لافتًا في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن هذه الآلية تظهر بوضوح في مجالي الاتصالات والطائرات المسيَّرة. حيث "راهنت إيران ووكلاؤها على استخدام التقنيات البسيطة، والبدائية أحيانًا، وذلك للبقاء بعيدًا عن عيون الرقيب الأمريكي، وكذلك للاستفادة من التكلفة المنخفضة لهذه المكونات التجارية، وسهولة شرائها". 

مضيفًا: "نتحدث هنا عن المحركات التوربينية الصغيرة التي يمكن استخدامها في الطائرات المسيَّرة، وكذلك أنظمة تحديد المواقع "GPS"، التي تحتاجها أيضًا الطائرات المسيَّرة للوصول لأهدافها."

الخبير العسكري يرى أن إيران "استفادت من وجود دول كثيرة تنتج هذه المكونات، وتوفرها بشكل تجاري سهل نسبيًا – من هونج كونج وماليزيا شرقًا إلى ألمانيا غربًا – وحتى بعض المكونات التجارية الأمريكية الصنع كان يمكن الحصول عليها عبر شركات في أوروبا أو جنوب شرق آسيا. 

ويضيف: "بين وكلاء إيران يعد "حزب الله" الأكثر نشاطًا في الخارج، بما في ذلك في مجال اقتناء هذه المكونات الحيوية لقدرات الاتصالات والطائرات المسيَّرة. ومن المرجح أن "حزب الله" لعب كذلك دورًا مهمًا في توريد هذه المكونات لإيران نفسها، خاصة من الدول التي يمتلك فيها حضورًا أفضل من الحضور الإيراني".

في قلب أوروبا

 المثال الأبرز لنشاط شبكات حزب الله حتى في أكثر الدول عداءً له وقربًا من إسرائيل، هو ألمانيا التي توجد فيها جالية لبنانية كبيرة، حيث بدأت الهجرة لألمانيا الغربية خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990). ومنذ أكثر من عقد من الزمن وجهاز المخابرات الداخلية الألماني يُصدر تقارير سنوية حول شبكة "حزب الله" على الأراضي الألمانية.

في 2018، قدَّرت المخابرات الألمانية أن عديد عناصر "حزب الله" تجاوز الألف، وأنهم ينتشرون في العاصمة برلين، والعديد من المدن الكبرى، وإن كانت ولاية "شمال-الراين ويستفاليا" تحتضن الشبكات الأنشط، خاصة في مجال الأنشطة التجارية والصناعية، فضلاً عن أنشطة جمع تبرعات وتبييض أموال، وكذلك تجنيد لعناصر جديدة، من اللبنانيين-الألمان ومسلمين من جنسيات أخرى، بما في ذلك من الألمان ممن يعتنقون الإسلام عبر المراكز الدعوية المرتبطة بإيران و"حزب الله" في ألمانيا.

نشاط الحزب في ألمانيا كان مفيدًا له للقيام بعمليات تجنيد، سواء في صفوف الجاليات الإسلامية في ألمانيا أو حتى في صفوف الألمان أنفسهم ممن يعتنقون الإسلام أو ممن يتبنون أفكارًا معادية لإسرائيل، وفقًا لتقارير ألمانية.

ولعل أشهر حوادث التجنيد هي تلك التي تخص المواطن الألماني ستيفين سميريك (Steven Smyrek) الذي جنده الحزب في ولاية شمال الراين ويستفاليا، واعتقلته إسرائيل، في العام 1999، قبل أن يخرج في صفقة تبادل مع "حزب الله"، وكذلك حادثة خالد كشكوش وهو فلسطيني إسرائيلي الجنسية (من عرب 48) جنده "حزب الله"خلال دراسته في ألمانيا قبل أن تعتقله إسرائيل في 2008.

شبكات "دينية"

قبل أن تحظر ألمانيا "حزب الله" في ربيع 2020، وتصنفه في قائمة المنظمات الإرهابية، كان عناصره يجمعون علنًا التبرعات المالية من اللبنانيين في ألمانيا، مستفيدين من شبكة من المنظمات الخيرية والمساجد في ألمانيا المرتبطة بإيران و"حزب الله"، إذ يقدر وجود أكثر من 30 من هذه المساجد، أبرزها: مركز الإمام المهدي في مدينة ميونتر-هيلتروب، ومسجد الإمام الرضا في برلين، ومركز الإمام علي في هامبورغ، والمركز الإسلامي في هامبورغ.

ويرتبط بهذه المساجد عدد من المنظمات الإسلامية، مثل: المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، والاتحاد الإسلامي الألماني للعلماء الشيعة  IEUS. هذه الشبكة من المساجد والمنظمات تسمح لأعضاء الحزب بجمع التبرعات تحت غطاء الزكاة، والخمس، ورعاية الأيتام، وما شابه، ليصار إلى تحويلها إلى لبنان لتستخدم في تمويل المنظمات التي تقوم برعاية الأنشطة الاجتماعية للحزب، أو لتمويل اقتناء المنتجات المطلوبة لدعم قدرات الاتصالات والطائرات المسيّرة.

الحجم الكبير للاقتصاد الألماني – سواء الشرعي أو غير الشرعي – وموقع ألمانيا المحوري في الاقتصاد الأوروبي سهّل على عناصر "حزب الله" اقتناء ما يحتاجه التنظيم حتى من خارج ألمانيا ونقله إلى لبنان، ومنها إلى إيران، دون إثارة حفيظة السلطات الأوروبية. 

لا يقتصر نشاط شبكات حزب الله على ألمانيا، إذ يتمدد إلى باقي البلدان الأوروبية الأخرى، حيث اعتقلت السلطات الإسبانية، في 18 يوليو/ تموز من العام الجاري، 3 أشخاص للاشتباه في انتمائهم لشبكة تزود حزب الله اللبناني بمواد لتصنيع الطائرات المسيّرة، فيما ضبطت السلطات الألمانية شخصًا آخر يعتقد أنه ينتمي إلى الشبكة نفسها.
 
وقالت السلطات الإسبانية في بيان، إن تحقيقًا أطلق عندما رصد الحرس المدني "عمليات مشبوهة" لشركات إسبانية يديرها لبنانيون، تتضمن كميات كبيرة من مواد ومكونات تصنيع طائرات مسيّرة قادرة على حمل عبوات ناسفة يبلغ وزنها عدة كيلوغرامات. وتعتقد السلطات أن حزب الله ربما يكون قد صنع عدة مئات من الطائرات المسيّرة باستخدام هذه المكونات.

وعلى الرغم من حظر حزب الله في أوروبا، بما فيها السلطات الألمانية التي حظرت "حزب الله"، في ربيع 2020، إلا أن القسم الأكبر من عناصر التنظيم لا يزال طليقًا. فالتقارير الرسمية التي تصدرها المخابرات الألمانية إنما تشير إلى حجم التنظيم وأنشطته، ولكنها لا تمثل أدلة كافية قانونيًا لإطلاق الملاحقة القضائية بحق عناصر التنظيم. ولهذا يرجح أن شبكات "حزب الله" لتوريد المنتجات من ألمانيا، وعموم أوروبا، لا تزال سليمة.

استنساخ.. تصميم وتصنيع

الباحث السوري د. محمد صالح الفتيح، يشير إلى أن دور شبكات تنظيم حزب الله في ألمانيا بتطوير قدرات الطائرات المسيّرة الإيرانية نجده في محرك "L-550"من شركة "Limbach" الألمانية. المحرك دخل الخدمة في العام 1987، وهو يباع على نطاق واسع حول العالم للاستخدام في الطائرات الصغيرة.

ويضيف أن إيران حصلت على هذا المحرك، واستخدمته في الطائرات المسيّرة التي تصنعها، خاصة طائرات "شاهد 136" الانتحارية وطائرات "مهاجر 2" و"أبابيل 3" الاستطلاعية، وكلها طائرات تستخدمها إيران ووكلاؤها في المنطقة. 

وفقًا للباحث "يُقدّر ثمن هذا المحرك في الأسواق الدولية بما يتراوح بين 12,000 و17,000 دولار أمريكي. ومع ازدياد اعتماد إيران عليه لجأت إلى استنساخ تصميمه وتصنيعه محليًا دون ترخيص من الشركة الألمانية. وكان لـ"حزب الله" دور مركزي في شراء هذه المحركات الألمانية ونقلها لإيران. 

ويبدو أن نجاح "حزب الله" دفع إيران للاعتماد عليه في تأمين مكونات مختلفة، كما ظهر في أجهزة "البيجر"التي تفجرت قبل أيام في لبنان، وظهر أن قائمة مستخدميها لم تقتصر على كوادر "حزب الله" في لبنان، بل كذلك عناصر في السفارة الإيرانية في بيروت، وكوادر إيرانية في سوريا، فيما زعمت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن 19 من عناصر الحرس الثوري الإيراني قد قضوا في انفجار هذه الأجهزة المفخخة. 

ويقول الفتيح إن حاجة إيران و"حزب الله" للبقاء بعيدًا عن أعين الرقابة الغربية دفعتهما لاقتناء ما يحتاجونه من مزودين فرعيين أو صغار، وكذلك لاستخدام شبكات مالية متداخلة وسلاسل توريد معقدة. 

هذه السلاسل كانت هدفًا لإسرائيل منذ سنوات. وقد أعلن يوسي كوهين، رئيس الموساد السابق (بين 2016 و2021)، في 26 سبتمبر/أيلول 2023، أن إسرائيل نجحت باختراق شبكة التوريد الخاصة بـ"حزب الله" وإيران. ولم يؤخذ تصريح كوهين بكثير من الجدية بدليل الأحداث التي رأيناها هذا الأسبوع في بيروت. 

شبكات مضادة

من المرجح أن إسرائيل استخدمت بدورها شبكات معقدة وواجهات مختلفة لإخفاء أنشطتها الاستخبارية وتقديم كوادرها على أنهم مزودون شرعيون يستطيعون تزويد "حزب الله"بما يحتاجه وفقا للباحث محمد صالح الفتيح:"هذا ما نراه تحديدًا في حالة الشركة المجرية "BAC Consulting". فكل التفاصيل الموجودة في السجلات الرسمية تشير إلى أن هذه الشركة مجرد واجهة، وأنها لا تمتلك أي قدرات تصنيع في المجر وحتى العنوان المسجل لها لا يوجد فيه أي حضور مادي للشركة باستثناء ورقة تحمل اسمها على الباب."

ويوضح الباحث الفتيح أن "حاجة حزب الله للسرية، وتركيزه على التقنيات غير الحديثة، جعله يبحث عن تقنيات غير شائعة، مثل أجهزة "البيجر" في اعتقاد من جانبه أنها توفر قدرات الاتصالات بشكل محمي أكثر مما توفره الهواتف الجوالة التقليدية. ولكن ما نعلمه - والحديث للفتيح- هو أن إسرائيل بدأت حملة دعائية خلال الحرب الحالية لإثارة مخاوف "حزب الله" وكوادره إزاء الهواتف الجوالة. وهذا ما دفع قيادة التنظيم لمحاولة الحصول العاجل على دفعة جديدة من أجهزة "البيجر" والتي ظهر، الآن، أنها كانت مفخخة.

ولكن، على الرغم من هذا الإخفاق الهائل من جانب "حزب الله"، لا يوجد بديل يغني عن استخدام هذه الشبكات الغامضة، والتي تواجه، دائمًا، خطر الاختراق والتلاعب، وفقًا للباحث محمد صالح الفتيح.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC