نتنياهو: أقدر عاليا التدخل الأمريكي ضد الحوثيين وواشنطن لا تدخر جهدا في الرد عليهم بشدة
تسعة أيام فقط كانت كافية لإعادة سوريا إلى حالة الصراع الذي شهدته قبل تسع سنوات، عندما تلقت الحكومة السورية دعمًا مباشرًا من الحليفين إيران وروسيا، ما أدى لتغيير في ميزان الصراع.
الهجوم الذي أطلقته "هيئة تحرير الشام" في 27 نوفمبر/تشرين الثاني تحت مسمى "رد العدوان"، أعاد عقارب ساعة الحرب السورية إلى ما كانت عليه في عام 2015، عندما كانت القيادة السورية تواجه خطر السقوط.
ورغم التغيرات في خريطة السيطرة منذ ذلك الحين، فإن سقوط مدينة حماة بيد المعارضة يبرز هشاشة الوضع الراهن.
التدخل العسكري الروسي في 30 سبتمبر/أيلول 2015 قلب موازين القوى في الحرب السورية.
العمليات الجوية الروسية، التي أطلق عليها الإعلام "عاصفة السوخوي"، وفرت غطاءً جويًا مكثفًا لحركة القوات المدعومة من إيران، والتي ضمت مقاتلين من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان.
هذا الدعم المركب أدى إلى تقليص كبير في المناطق التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية.
وإلى جانب ذلك، قادت روسيا حراكًا دبلوماسيًا مع الدول الإقليمية نجح في تقليص تدفق السلاح إلى المعارضة وممارسة ضغوط على فصائلها.. هذه التحركات أسفرت عن استعادة السيطرة على مدينة حلب في أواخر 2016.
وفي مايو/أيار 2017، تم توقيع اتفاق روسي-تركي-إيراني لإنشاء أربع مناطق لخفض التصعيد في دمشق ودرعا وحمص وإدلب، بين المعارضة والقوات الحكومية.
لاحقًا، تقلصت هذه المناطق إلى واحدة فقط في إدلب بحلول 2018، ومع حلول مارس/آذار 2020، تقلصت مساحة إدلب إلى نحو ألفي كيلومتر مربع بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الأخير.
ومنذ ذلك الوقت، شهد الميدان هدوءًا نسبيًا ترافق مع إشارات على انفتاح إقليمي تجاه القيادة السورية. في مايو/أيار 2023، استعادت سوريا عضويتها في الجامعة العربية.
في العامين الأخيرين، أبدى الرئيس التركي استعداده العلني للقاء الرئيس السوري. وفي سبتمبر/أيلول 2024، تم تعيين قائم بالأعمال جديد لبعثة الاتحاد الأوروبي في دمشق، فيما ظهرت في نوفمبر/تشرين الثاني تسريبات عن استعداد إدارة بايدن لرفع العقوبات عن القيادة السورية شريطة ابتعادها عن إيران.
هذا المناخ السياسي أوحى بانحسار الحرب وبأن القيادة السورية خرجت منتصرة إلى حد دفع وزارة الدفاع السورية في 2024 إلى البدء بتسريح الجنود القدامى والحديث عن إعادة هيكلة الخدمة العسكرية، والتوجه نحو نظام تطوعي، مدفوعًا بتراجع التهديدات، وفقًا لتصريحات المسؤولين العسكريين السوريين.
ومع ذلك، فإن هذا المشهد أخفى هشاشة الوضع العسكري والاقتصادي الذي تعاني منه الحكومة السورية، وأبرز أن الإنجازات التي حققتها منذ 30 سبتمبر/أيلول 2015 كانت قائمة على أسس هشة لا تصمد أمام التحديات.
سلسلة من الأحداث التاريخية كشفت هذه الهشاشة، منها الحركات الاحتجاجية في العراق منذ عام 2019، والحروب في أوكرانيا وغزة ولبنان، إضافة إلى تبادل الضربات المباشرة بين إيران وإسرائيل لأول مرة.
هذه التطورات أدت إلى انسحاب معظم المقاتلين الذين دعموا القوات الحكومية، فيما انشغلت روسيا وإيران بتحديات جديدة. نتيجة لذلك، فقدت القيادة السورية أبرز مصادر قوتها العسكرية التي اكتسبتها في 2015، ما تركها في مواجهة مكشوفة وصعبة.
بدأ الهجوم بتأمين محيط إدلب واستهدف مدينة حلب، ما كشف ضعف دفاعات النظام.
سقف طموحات المعارضة ارتفع مع مهاجمة مدينة حماة، التي سقطت بعد 5 أيام فقط. هذا التقدم أوصل المعارضة إلى أبواب حمص، العقدة الاستراتيجية التي تربط دمشق بالساحل السوري.
حمص تحمل أهمية خاصة، كونها تمثل شريان الحياة للنظام. سقوطها يعني انقطاع الطريق بين دمشق والساحل، ما يهدد العاصمة مباشرة ويترك النظام معزولاً، وباقي المناطق، مثل درعا والسويداء ودير الزور، تراقب المشهد وبدأت تنضم إلى التحرك.
العاصمة دمشق تترقب تطورات معارك حمص، التي قد تحدد مصير النظام.
وفي الوقت نفسه، تعتمد القيادة السورية على الدعم الروسي والإيراني، فيما تجري مباحثات إقليمية ودولية قد تغير قواعد اللعبة.
التفاؤل الرسمي يعتمد على إمكانية صمود القوات الحكومية في حمص لمدة كافية لاستعادة الحلفاء ثقتهم بقدرة النظام على القتال.
السيناريو الأول وهو صمود الجيش السوري، فإذا نجحت القوات الحكومية في حمص في وقف تقدم المعارضة لمدة طويلة، فقد يؤدي ذلك إلى تدخل روسي وإيراني مباشر.
هذا السيناريو يعزز فرص النظام لإعادة ترتيب صفوفه والتفاوض على تسوية سياسية.
كما أن الرهان على الوقت قد يسمح بعقد صفقات جديدة مع تركيا، التي تخشى التوسع الكردي في الشمال السوري.
وأما السيناريو الثاني وهو تقهقر النظام وسقوطه، فاستمرار تقدم المعارضة في حمص قد يؤدي إلى قطع الشريان الذي يربط دمشق بالساحل، ما يجعل العاصمة عرضة لهجمات مباشرة.
هذا السيناريو قد يدفع المعارضة لمحاولة السيطرة على الساحل السوري، ما يفتح الباب أمام مواجهات طائفية دامية.
وفي الجنوب، قد تتحرك إسرائيل لإنشاء منطقة عازلة في الجولان، وسط فوضى متزايدة.
كل من السيناريوهين يحمل تداعيات إقليمية كبيرة، فنجاح النظام في الصمود قد يعزز التوجه نحو تسويات سياسية تشمل القوى الإقليمية.
أما سقوط النظام فقد يفتح الباب أمام اضطرابات جديدة، تعزز نفوذ الإسلاميين وتفاقم الصراعات الطائفية في المنطقة.
الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل سوريا وشكل الشرق الأوسط الجديد.