اعتبر خبراء سياسيون فرنسيون أن الحادث الأخير بين الجزائر ومالي يهدد مسار التقارب بين البلدين ويكشف عن توترات أمنية واقتصادية مستترة في المنطقة الحدودية الحساسة.
وفي تطور مفاجئ قد يعيد توتير العلاقات بين الجزائر ومالي، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية، مساء الثلاثاء الماضي، أنّ وحدة من الدفاع الجوي في المنطقة العسكرية السادسة قامت بإسقاط طائرة مسيّرة مسلحة تابعة للجيش المالي، بعد أن اخترقت المجال الجوي الجزائري لمسافة كيلومترين، قرب مدينة تين زاواتين الحدودية، جنوب البلاد.
واكتفى البيان العسكري الجزائري بوصف الطائرة بأنها "طائرة استطلاع مسلحة"، دون تقديم تفاصيل إضافية، وتقع تين زاواتين على بعد حوالي 2300 كيلومتر جنوب العاصمة الجزائر، بمحاذاة الحدود مع مالي، فيما توجد بلدة تحمل الاسم ذاته على الجانب المالي.
ووفقًا لمصدر أمني جزائري لم يكشف عن هويته، فإنّ إسقاط المسيّرة يُعد "أول حادث من نوعه" بين الجيشين، وقد يكون بمثابة "رسالة مباشرة للجهات التي تسيء استخدام المسيّرات لأغراض عسكرية واستخبارية قرب الحدود الجزائرية".
من جانبه، يرى إيفان دولاكروا، الباحث في الشؤون المالية بمركز IRIS الفرنسي للدراسات الدولية والاستراتيجية، أنّ هذا الحادث يهدد بإعادة العلاقات الثنائية إلى نقطة الصفر، بعد أشهر من مؤشرات التهدئة.
وقال دولاكروا في تصريحات لـ"إرم نيوز" إن "ما حدث على الحدود يكشف عن خلل في التنسيق الأمني بين البلدين، وربما عن تباين في الأهداف الجيوسياسية، خاصة أن الجزائر تسعى إلى تقليص نفوذ بعض القوى الأجنبية في الساحل الأفريقي".
من جهتها، قالت كلير رينود، المتخصصة في الشؤون الدفاعية الإفريقية في مركز Fondation Jean Jaurès، إن الحادث له انعكاسات مالية وأمنية مباشرة.
وأضافت رينود لـ"إرم نيوز": "في ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها مالي، فإن توتر العلاقات مع الجزائر قد يعمق من عزلة باماكو، ويؤثر على مشاريع التعاون الحدودي والتنمية الاقتصادية المشتركة، والتي تمثل شريانًا حيويًا للمناطق الصحراوية".
ورغم غياب تعليق رسمي من السلطات المالية حتى الآن، إلا أن رينود لا تستبعد أن يكون الحادث نتيجة خطأ تكتيكي في توجيه الطائرة المسيّرة، خاصة مع تداخل المناطق الحدودية وتضاريسها الصعبة.
إلا أن دولاكروا يرى أن ما جرى يُفسَّر ضمن تصعيد غير معلن بين البلدين، بعد توترات سابقة بشأن دور الجزائر في الوساطة بين الفصائل المسلحة في شمال مالي، والتي لم تلقَ ترحيبًا كاملاً من باماكو في ظل تقاربها المستمر مع موسكو.
وفي هذا السياق، يؤكد خبراء فرنسيون أن الحادث يُعيد إلى الواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية المشتركة في منطقة الساحل، ويدفع الجزائر ومالي إلى إعادة تقييم أولويات التعاون الحدودي، في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية متسارعة وتراجعًا في الحضور الغربي التقليدي.
في ظل هذا التصعيد، يرى مراقبون أنّ حادث إسقاط الطائرة المسيّرة قد يكون بداية مرحلة جديدة من البرود السياسي بين الجزائر وباماكو، خاصة إذا لم تتوافر قنوات دبلوماسية سريعة لاحتواء الموقف.
ومع تعقيد المشهد الإقليمي في الساحل، يُخشى أن يؤدي الحادث إلى زيادة عسكرة الحدود وتقويض جهود الوساطة التي كانت تسعى لاستعادة الثقة بين الجارين.