إذاعة الجيش الإسرائيلي: البحرية الإسرائيلية ضربت أهدافا على شواطئ غزة
رأى محللون أن "حزب الله" غير قادر على وقف "مسيرة انتكاساته" العسكرية والسياسية، فإسرائيل وسّعت، في الأيام الأخيرة، من ضرباتها العسكرية في لبنان، حتى في شمال نهر الليطاني.
كما فشل "حزب الله" بالتأثير في مسار انتخاب رئيس الجمهورية، واختيار رئيس الحكومة الجديد.
هذا الوضع الذي يعيشه "حزب الله"، حالياً، لا يمكن فهم خطورته دون مراجعة مسيرة صعوده السياسي والعسكري خلال العقدين الماضيين، وفق متابعين.
ولفت "حزب الله" أنظار الرأي العام العربي بعد أن نجح بدفع إسرائيل للانسحاب من جنوب لبنان في العام 2000.
وآنذاك كان لـ"حزب الله" تمثيله البرلماني، ولكن دون حقائب وزارية، وتغيرت حظوظه مع زلزال اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، في فبراير 2005، وانسحاب الجيش السوري من لبنان في أبريل من ذلك العام.
وبرز "حزب الله" بصفته قائد معسكر "8 آذار" الذي يضم حلفاء سوريا في لبنان، بينما قاد تيار المستقبل، الذي ضم سعد الحريري وحلفاءه، معسكر "14 آذار" المناوئ لسوريا.
ونجح معسكر "14 آذار" بتمرير مرشحه لرئاسة الحكومة، فؤاد السنيورة.
إلا أن المعسكرين تعاونا براغماتياً لضبط الأوضاع في لبنان، وذلك عبر مشاركة "حزب الله" في التشكيلة الحكومية، للمرة الأولى في تاريخه، وإعلان حكومة السنيورة، في بيان تشكيلها، أن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي هي حق مشروع، وأن سلاح "حزب الله" هو جزء من هذه المقاومة.
ومن حقائب الحكومة الـ24، حصل معسكر "8 آذار" على 4 حقائب، منها 2 لـ"حزب الله".
هذا التمثيل المتواضع كان بداية مسار التحول في دور "حزب الله"، الذي لم يعد بحاجة إلى الاعتماد على سوريا للتأثير في قرارات الحكومة اللبنانية – كما حصل بين 1990 و2005 – بل بات هو أداة سوريا للتأثير في تحركات الحكومة اللبنانية.
التوتر بين معسكري "8 و14 آذار" تزايد في أعقاب حرب لبنان الثانية في 2006، وصولاً لتفجر المواجهات المسلحة بينهما في مايو/أيار 2008، والتي خرج "حزب الله" منتصراً فيها.
وسمح "اتفاق الدوحة" بين الفرقاء اللبنانيين، في ذلك الشهر، بإنهاء شغور موقع رئاسة الجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة حصل فيها معسكر "8 آذار" على 11 من الحقائب الوزارية الـ30، وهذا ما كان يسميه "حزب الله" بـ"الثلث المعطل"، الذي يعتبره ضمانته لإسقاط الحكومة عبر استقالة أكثر من ثلث أعضائها.
واحتفظ معسكر "8 آذار" بهذا الثلث المعطل عندما تشكلت حكومة سعد الحريري في العام 2009.
إلا أن "حزب الله" أظهر استقلاليته عن سوريا عندما استخدم الثلث المعطل، في يناير/كانون الثاني 2011، لإسقاط حكومة الحريري؛ بسبب لقاء الأخير مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
وشكل نجيب ميقاتي الحكومة التالية في يوليو/تموز 2011.
ووصفت هذه الحكومة غربياً باسم "حكومة حزب الله" وذلك بعد أن حصل معسكر "8 آذار" على 18 من أصل 30 حقيبة وزارية، وذهب الباقي لشخصيات محايدة، ليصبح تيار "14 آذار" خارج الحكومة.
وفي تلك المرحلة كانت قدرات "حزب الله" العسكرية هي المصدر الأهم لنفوذ معسكر "8 آذار"، خاصة بعد أن تجاوز دور "حزب الله" لبنان ليمتد إلى سوريا التي باتت مشاركته صريحة في حربها الأهلية اعتباراً من مايو/أيار 2013.
وبينما قُدّر عدد صواريخ "حزب الله" في 2006 بحوالي 12 ألف صاروخ، تجاوزت هذه التقديرات عتبة 100 ألف في 2015.
تأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، وتعذر إجراء انتخابات برلمانية جديدة منذ 2009، دفع معسكري "8 و14 آذار" لتشكيل حكومة مصالحة وطنية" برئاسة تمام سلام، في فبراير/شباط 2014.
ولم يحصل معسكر "8 آذار" على الثلث المعطل فحسب في هذه الحكومة، بل حصل لأول مرة على وزارة المالية التي أسندت لوزير من حركة "أمل" الشيعية.
وفي تلك الفترة لم يكن هناك ما يمكن أن يوقف تصاعد نفوذ "حزب الله"، فاضطر سعد الحريري للرضوخ لضغوط "حزب الله" وإيصال ميشال عون لموقع رئاسة الجمهورية، في أكتوبر/تشرين الأول 2016، لكي يتمكن الحريري من العودة إلى رئاسة الحكومة في ديسمبر/ كانون الأول 2016.
"حزب الله" وحلفاؤه احتفظوا بنفوذهم في الحكومة، وضغطوا على الحريري ليعدل قانون الانتخابات البرلمانية بشكل يعزز حظوظهم الانتخابية، وذلك كشرط لعقد الانتخابات في مايو/أيار 2018 – بعد تأجيلها لخمسة أعوام.
تضخم نفوذ "حزب الله" في حكومتي حسان دياب (2020) ونجيب ميقاتي (2021)، خاصة عبر متابعة الاحتفاظ بالثلث المعطل، وحقيبة وزارة المالية، وعبر التزام الحكومة بتوفير غطاء سياسي يشرع سلاح "حزب الله".
وحظي هذا النفوذ باعتراف دولي تدريجي، ففي أغسطس/آب 2020، التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في بيروت، بقادة سياسيين في "حزب الله"، وكان ذلك هو اللقاء الأول من نوعه بين قادة الحزب وزعيم غربي.
وفي صيف 2023، لم يكن هناك في لبنان أو المنطقة من يصدق أن نفوذ "حزب الله" يمكن أن يضعف وتعود عقارب ساعته إلى الوراء.
التغير المفاجئ
حرب غزة التي تفجرت، في أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت هي حدث "البجعة السوداء" المفاجئ الذي غير المشهد في الشرق الأوسط.
وانخرط "حزب الله" سريعاً في الحرب للحفاظ على "شرعيته السياسية" بعد أن رفع لعقود راية استنزاف إسرائيل إلى حين هزيمتها.
تلك المشاركة، وإن كانت رمزية في مراحلها الأولى، مثلت بداية لسلسة من الأخطاء الاستراتيجية الكارثية من جانب "حزب الله" والتي أدت إلى وصوله للوضع الراهن.
وبحسب خبراء، دخل "حزب الله" الحرب دون تبني أي إستراتيجية واضحة وواقعية للحرب أو للأهداف التي يمكن تحقيقها بالفعل.
وتابع الحزب عملياته دون إدراك التغييرات في طريقة تفكير إسرائيل، وتخطيطها، ومدى اختراقها التقني والاستخباري لصفوف "حزب الله".
وبين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 2024 تعرض "حزب الله" لسلسلة من الاغتيالات النوعية لأغلب قادته العسكريين، ثم نفذت إسرائيل مجزرة "أجهزة البيجر" في 17 سبتمبر/أيلول.
وبالرغم من هذه الضربات فشل "حزب الله" بإدراك حقيقة ما يحصل من تحضيرات إسرائيلية لفتح حرب كبرى معه.
وشهدت تلك الحرب اغتيال حسن نصر الله، أمين عام "حزب الله"، وأغلب القادة الكبار المتبقين، فضلاً عن حوالي 3 آلاف من مقاتليه.
ولم تتوقف الحرب إلا بقبوله بإنهاء وجوده العسكري جنوب نهر الليطاني.
وقال محللون، إن صعود "حزب الله" في لبنان، بين 2008 و2023، كان بالدرجة الأولى نتيجة ضعف خصومه وأخطائهم، أكثر من كونه نتيجة براعته السياسية.
أخطاء "حزب الله، في 2024، تكشف أنه لم يكن قادراً على التفكير النقدي المستقل، والقيام بالاستجابة المرنة اللازمة، بل كان أسيراً للتصورات والتوجيهات الإيرانية حول ما يجب القيام به.
وبحسب الخبراء، فإن خطأ تقديرات "حزب الله" كان في الحقيقة خطأ تقديرات إيران نفسها التي لم تعتقد أن هناك من هو مستعد في إسرائيل أو الولايات المتحدة للمخاطرة بفتح حرب كبرى في المنطقة، أو للمخاطرة بضرب إيران نفسها.
ومن المحتمل أن إفراط إيران في تصورها لقدراتها العسكرية والتنظيمية دفعها للاعتقاد بأن نفوذها في المنطقة، وشبكة حلفائها، لن يتأثرا بسقوط النظام السوري، الذي يشكل المكون الرئيس في هذه الشبكة.
عدم قدرة "حزب الله" على التفكير واتخاذ القرار بعيداً عن تصورات إيران حرمه من القدرة على الاستجابة للتطورات السياسية التي جرت حوله في لبنان بعد الحرب.
فبالرغم من وضوح حجم المحاولات الداعمة لانتخاب قائد الجيش الجنرال جوزيف عون، رئيساً للجمهورية في جلسة حدد موعدها قبل شهرين، استمر "حزب الله" بالاعتقاد بإمكانية إيصال مرشحين آخرين، أو إلزام عون بتقديم ضمانات سياسية له.
وأطلق عون في خطاب القسم، في 8 يناير/كانون الثاني، مواقف صادمة لـ"حزب الله" وحلفائه – ولكنها متوقعة – عندما تعهد بأن يكون حمل السلاح في لبنان مقتصراً على الدولة اللبنانية، وهذا ما يعني فتح ملف سلاح "حزب الله" في كل لبنان.
وجاءت المفاجأة الثانية للحزب عندما سمت الغالبية النيابية، في 13 يناير/كانون الثاني، القاضي نواف سلام لتشكيل الحكومة.
وكانت الأوساط الإعلامية لـ"حزب الله" تؤكد حتى الساعات السابقة لاختيار سلام أن حظوظ حليف "حزب الله"، نجيب ميقاتي، لا تزال هي الأعلى.
أوساط "حزب الله" طالما اعتبرت نواف سلام بالخصم الخطر، وذلك لإدراكها أن هذا الدبلوماسي والقاضي الدولي لن يعارض قرارات مجلس الأمن، والعقوبات الدولية المفروضة ضد "حزب الله"، خاصة ما يتعلق بالجانب المالي والمصرفي منها.
فسلام يدرك ضرورة الامتثال لهذه العقوبات والقرارات لضمان تدفق المساعدات المالية والاقتصادية الغربية لتسريع التعافي من الحرب الأخيرة.
ومن المرجح أن "حزب الله" لا يزال يتبع التصورات الإيرانية، إلا أن إيران نفسها لا تقل حيرةً عنه، وهي حائرة تحديداً في تصورها لما سيقوم به دونالد ترامب: فهل سيوقف الحروب كما وعد في حملته الانتخابية أم سيعيد تطبيق إستراتيجية الضغط الأقصى على إيران وحلفائها في المنطقة.
وبحسب الخبراء، فإن أي مسار للنجاة بالنسبة لـ"حزب الله" يتطلب منه ألا ينتظر إيران، ولكن هذا يعني عملياً أن "حزب الله" سينهي التنظيم الذي عرفناه خلال العقدين الماضيين.