البيت الأبيض بوفاة البابا: أرقد بسلام
لا يبدو إغلاق ملف اللاجئين السوريين ممكناً في المدى المنظور؛ فرغم سقوط النظام يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وانتهاء المعارك الأساسية في البلاد، فإن لجوءاً جديداً بدأ مع هجرة المتخوفين من تدهور الأوضاع، إلى جانب الفارين من أنصار النظام السابق.
وتقول الأمم المتحدة إن 720 ألف شخص نزحوا، منذ تصعيد الأعمال العسكرية بين 27 نوفمبر/ تشرين الثاني و20 ديسمبر/ كانون الأول 2024، فيما عاد أكثر من 420 ألف نازح إلى مناطقهم، معظمهم في حلب وحماة.
وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن عدد العائدين خلال 25 يوماً، وصل إلى 115 ألف سوري، جاؤوا من لبنان وتركيا والأردن إلى سوريا، بين 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 و2 يناير/ كانون الثاني 2025.
وكان مسلسل اللجوء السوري لدول الجوار والعالم، بدأ مع بداية الأحداث عام 2011.
وتشير آخر إحصائية أجرتها الأمم المتحدة عام 2024 إلى أن عدد اللاجئين السوريين يصل إلى 7.4 مليون، 3 ملايين منهم في تركيا، و 1.3 مليون منهم في الأردن، و 1.5 مليون في لبنان، أما الباقي فيتوزعون في أنحاء أوروبا.
وتستقبل ألمانيا الحصة الكبرى من اللاجئين السوريين في أوروبا، ليصل عددهم إلى قرابة مليون لاجئ، أما الباقي فيتوزعون في النمسا وهولندا وسويسرا وبقية الدول.
ورغم سقوط النظام، وتوقف المعارك في إدلب وحلب وحماة ودمشق والمنطقة الجنوبية، فإن هناك عقبات كثيرة تحول دون عودة اللاجئين إلى مناطقتهم، بأعداد كبيرة، منها انعدام الخدمات، وانتشار مخلفات الحرب، بالإضافة لعوامل اجتماعية واقتصادية تربطهم بمجتمعات اللجوء.
يقول "جميل"، لاجئ سوري في ألمانيا، إن عودته إلى سوريا أصبحت صعبة، بعد نيله الجنسية الألمانية وحصوله على عمل جعله يشعر بالاستقرار.
ويضيف لـ"إرم نيوز": "غادرت سوريا قبل 10 سنوات، والآن أصبح أبنائي شباباً يتحدثون الألمانية ويدرسون في الجامعات، كما حصلت على عمل مستقر ودخل ثابت، فكيف أعود إلى وضع يبدو ضبابياً وغير مستقر حتى اليوم؟".
ويتابع اللاجئون السوريون في الخارج أحوال الخدمات السيئة والاقتصاد المنهار في بلادهم، ويتريثون باتخاذ قرار العودة، في حين يفضل آخرون القيام بزيارة استكشافية قبل اتخاذ القرار.
ويقول "عمرو"، لـ"إرم نيوز": "مضى قرابة 7 سنوات على وجودي في السويد، وأنا أفكر فعلياً بالعودة من أجل تربية بناتي الثلاث الصغيرات في بيئة تناسب عاداتنا وتقاليدنا، لكني متخوف من عودة الأحداث وانعدام الخدمات والوضع الاقتصادي المنهار".
وفور الإعلان عن سقوط نظام الاسد، علقت ألمانيا والنرويج وإيطاليا وهولندا وسويسرا طلبات اللجوء، بانتظار اتضاح الأوضاع في سوريا، فيما خصصت النمسا مكافأة قدرها 1000 دولار لكل لاجئ يتخذ قرار العودة.
وردت الأمم المتحدة على قرار تعليق طلبات اللجوء، على لسان ريما جاموس إمسيس، مديرة مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالقول: "لا عودة قسرية" لملايين السوريين الذين فروا من بلادهم التي مزقتها الحرب.
ويقول اللاجئ السوري "جميل"، إن صعود الأحزاب اليمينية في أوروبا، ومطالباتها المتكررة بإعادة اللاجئين لبلدانهم، تقلق اللاجئين السوريين، لكن دمار منازل الكثيرين منهم، وانعدام الخدمات، يتطلبان ميزانية ضخمة للإصلاح، لا يملكون منها شيئاً.
ووفقاً لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإن سياسيين من الحزب الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) وحزب بديل لألمانيا اليميني، طالبوا بإعادة السوريين لبلادهم بعد سقوط نظام الأسد.
ومن المتوقع أن تحتل قضية الهجرة مكانة بارزة في الحملات الانتخابية التي ستُجرى في البلاد في فبراير/ شباط المقبل.
ويبدو أن اتخاذ قرار العودة يختلف تبعاً لأوضاع اللاجئين في بلدان اللجوء، فالحاصلون على الجنسية والموظفون في أعمال جيدة، سيترددون كثيراً، مقارنة بحديثي اللجوء ممن مازالت ملفاتهم قيد الدراسة.
وتقول مديرة مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، خلال مؤتمر صحفي بجنيف: "نتوقع أن نرى حوالي مليون سوري يعودون، بين يناير/ كانون الثاني ويونيو/ حزيران 2025"، لكن ما يقوله اللاجئون يؤكد أن عودتهم مرتبطة بتحسن الأوضاع على الأرض.
الكثير من اللاجئين أكدوا، لـ"إرم نيوز"، أنهم لن يعودوا إلا إذا اتخذت الولايات المتحدة قراراً بإلغاء عقوبات "قيصر" الاقتصادية على سوريا.
وبعضهم الآخر ربط عودته بالتوصل لاتفاق بين قوات "قسد" والإدارة العسكرية بدمشق، حول مناطق شمال شرق سوريا، مبدين تخوفهم من امتداد المعارك لمناطق أخرى.
وتتحدث شريحة أخرى من اللاجئين عن ضرورة استعادة السيطرة على منابع النفط والغاز، وتؤكد أن المساعدات الخارجية لن تستمر طويلاً في تحمل متطلبات السوريين.
ويرى آخرون أن انطلاق عملية إعادة الإعمار هو الدليل الأهم على تحسن الأوضاع في البلاد.
ويبدو أن اتخاذ اللاجئين قرار العودة يختلف أيضا تبعاً للمدن السورية التي سيستقرون فيها، فالقريبون من منطقة الشمال الشرقي التي تشهد معارك بين "قسد" وقوات الجيش الوطني المدعوم من تركيا يختلف موقفهم عن اللاجئين من سكان دمشق.
كما يختلف وضع لاجئي المناطق القريبة من البادية، مثل دير الزور والميادين والبوكمال، حيث ما زالت مخاطر "داعش" قائمة، عن وضع لاجئي إدلب وأريافها، حيث يرتبط عائق العودة بالخدمات.
وتفضل أوروبا التريث في إلزام اللاجئين السوريين بالعودة، وقد أعلن عن ذلك بشكل واضح المفوض الأوروبي للشؤون الداخلية والهجرة واللجوء، ماغنوس برونر، خلال لقاء صحفي، عندما قال: "إن خطوة كهذه سابقة لأوانها، فالوضع لا يزال متقلباً، علينا التركيز على العودة الطوعية".
وتؤكد الشريحة الكبرى من اللاجئين تريثها حتى تعيين الحكومة الجديدة في الأول من مارس/ آذار القادم، والوصول إلى دستور يتفق عليه جميع السوريين.
ويبدي الكثيرون مخاوفهم من تجدد الاضطرابات، إذا لم تحصل اتفاقات واضحة على الملفات الإشكالية.