شهدت العلاقات الجزائرية-الفرنسية توتراً جديداً بسبب ملف الهجرة، حيث رفضت الجزائر الامتثال لقائمة قدمتها باريس تضم نحو 60 شخصاً مطلوب ترحيلهم.
وأكدت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان رسمي، ضرورة احترام الإجراءات المتفق عليها بين السلطات الفرنسية والجزائرية بشأن عمليات الترحيل، مشددة على رفضها لأي "تهديدات أو ضغوط".
ووفقاً لتقرير صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية، يأتي هذا التوتر في الذكرى الثالثة والستين لاتفاقيات إيفيان، التي أنهت الاستعمار الفرنسي للجزائر، ما يعكس استمرار التوترات التاريخية بين البلدين بشأن قضايا السيادة والهجرة.
ومن جهتها، أوضحت الجزائر أن رفضها للقائمة التي قدمتها باريس يستند إلى ضرورة احترام القنوات الدبلوماسية المتفق عليها مسبقاً، والتي تقضي بمعالجة كل حالة ترحيل على حدة بالتنسيق بين الولايات الفرنسية، والقنصليات الجزائرية.
كما انتقدت وزارة الخارجية الجزائرية ما وصفته بالقرارات الأحادية من الجانب الفرنسي، معتبرةً أنها تتعارض مع الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين البلدين.
وفي ظل هذا التوتر، ترفض القنصليات الجزائرية في فرنسا إصدار تصاريح المرور القنصلية (LPC)، وهي وثائق ضرورية لتنفيذ عمليات الترحيل.
ووفقاً لمصادر دبلوماسية، فقد تم بالفعل إعادة جزائريين اثنين إلى فرنسا في الأيام الأخيرة بسبب غياب هذه الوثائق، مما يعكس المأزق الذي تواجهه السلطات الفرنسية.
وأردف التقرير أن هذا الخلاف أثار ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية في كل من الجزائر وفرنسا.
وبين أنه في الجزائر، ينظر العديد من المراقبين إلى هذه الأزمة على أنها محاولة من بعض السياسيين الفرنسيين، وعلى رأسهم برونو ريتايو، رئيس حزب الجمهوريين (LR)، لاستغلال ملف الهجرة لتعزيز مواقفهم السياسية الداخلية.
وفي هذا السياق، صرح عبد العزيز رحابي، الوزير والدبلوماسي الجزائري السابق، بأن "الجزائر لن تخضع للضغوط الفرنسية"، متوقعاً أن تستمر الأزمة حتى عام 2027.
وأكد أن الجزائر قادرة على مواجهة أي ضغوط، وأنها لن تتنازل عن سيادتها أمام أي تهديدات أو محاولات فرض إرادة خارجية.
وأشار التقرير إلى أن أثر هذه الأزمة لم يقتصر على ملف الهجرة فقط، بل امتد إلى مجالات أخرى مثل التعاون القضائي والأمني.
ووفق "لوفيغارو" فإن فرنسا رفضت طلب الجزائر بتسليم عبد السلام بوشوارب، وزير الصناعة الجزائري الأسبق، المدان في قضايا فساد، بسبب غياب تعاون قانوني بين البلدين.
وفي المجال العسكري، انتقدت الجزائر المناورات العسكرية الفرنسية المغربية "Chergui 2025"، المقرر إجراؤها في سبتمبر المقبل، معتبرة أنها خطوة استفزازية.
ويأتي هذا التوتر،بحسب التقرير، في ظل القطيعة الدبلوماسية المستمرة بين الجزائر والمغرب، منذ العام 2021، ما يعزز من تعقيد العلاقات الجزائرية-الفرنسية.
وفي باريس، تسود حالة من الإحباط بسبب رفض الجزائر الحوار حول ملف الترحيل.
ووفقاً لدبلوماسي فرنسي، فإن "القائمة التي قدمتها فرنسا لم تكن إنذاراً، بل نقطة انطلاق للنقاش.
وشدد تقرير "لو فيغارو" على أنه إذا أغلقت الجزائر باب الحوار، سيصبح من الصعب إيجاد مخرج لهذه الأزمة".
وخلص التقرير إلى القول إنه مع استمرار الجمود الدبلوماسي، تتجه العلاقات بين البلدين نحو مزيد من التعقيد، حيث باتت الخلافات حول ملف الهجرة تعيق أي جهود لإعادة بناء الثقة بين باريس والجزائر.
ويبقى السؤال المطروح: "هل سيتمكن الطرفان من تجاوز هذه الأزمة أم أنها ستعمق الهوة بينهما لسنوات مقبلة؟".