إذاعة الجيش الإسرائيلي: البحرية الإسرائيلية ضربت أهدافا على شواطئ غزة

logo
العالم العربي

"الملف الغامض".. ما مصير النفط السوري بعد سقوط نظام الأسد؟

"الملف الغامض".. ما مصير النفط السوري بعد سقوط نظام الأسد؟
حقل نفطي في محافظة الحسكة شرق سورياالمصدر: أرشيف - رويترز
27 ديسمبر 2024، 4:57 م

سقوط النظام السوري وتزايد الضغوط على "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) للانسحاب من الشرق السوري، جدد آمال عموم السوريين بعودة الحقول النفطية في الشرق السوري، وتخفيف أزمة المحروقات التي عانى منها السوريون لأكثر من عقد من الزمن. 

هذه الحقول لبّت لعقود الطلب المحلي على النفط، ووفر تصديرها عائداً مهماً من النقد الأجنبي، إلا أن دورها تقلص منذ خروجها عن سيطرة الحكومة السورية مع بداية الحرب. 

الاهتمام بملف النفط في الشرق السوري ازداد مع كشف صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن مصفاة بانياس لتكرير النفط قد كررت آخر شحنة لها في 13 ديسمبر/كانون الأول وذلك نتيجة نفاذ مخزونها من النفط الخام الذي كانت تورده إيران. مصفاة بانياس هي الأكبر بين مصفاتين قديمتين للنفط تعملان في سورية.

ملف النفط، والثروات الباطنية والطبيعية المختلفة في سورية، استخدم لسنوات لإعطاء الأمل للشعب السوري بقرب الوصول لانفراج اقتصادي من نوع ما يخفف وطأة سنوات الحرب والعقوبات الدولية. 

أخبار ذات علاقة

هل تؤجّج حقول النفط والغاز نار الصراع في سوريا؟

المشكلة المزمنة لقطاع النفط السوري هي الغموض الشديد المحيط بعوائده وحجم احتياطاته، فطالما تداول السوريون بكثير من التندر إجابة رئيس مجلس الشعب الأسبق عبد القادر قدورة في تسعينيات القرن الماضي على أعضاء المجلس الذين سألوه عن ملف النفط بالقول، إن "النفط في أيدٍ أمينة"، إلا أن السوريين، وفي مواجهة هذا الغموض، لم يتخلوا عن حلم العيش في اقتصاد ريعي يغذيه نفط الشرق السوري – وربما في المستقبل غاز الساحل السوري. 

النفط السوري قبل الحرب.. غموض مزمن

التمعن في المعلومات المتاحة حول ملف النفط السوري يكشف صورة قاتمة للغاية. فعلى سبيل المثال، يتداول حالياً رقم 2.5 مليار برميل على أنه حجم الاحتياطي النفطي السوري. 

التدقيق في بيانات شركات النفط الأجنبية وبيانات وزارة النفط السورية سيظهر سريعاً أن رقم 2.5 مليار برميل يعود إلى العام 1995، وأنه لا يزال متداولاً حتى اليوم بدون تعديل، وذلك بالرغم من معدلات الاستخراج الجائر خلال تلك الفترة.

إنتاج النفط السوري بلغ ذروته في 1996 عبر إنتاج 612 ألف برميل يومياً. معدلات الإنتاج بدأت بالتناقص بشكل منتظم في العقد الأول من الألفية لتصل إلى 400 ألف برميل يومياً في 2004، ثم إلى 385 ألف برميل في 2010، ثم 353 ألف برميل في 2011. 

وفي 2021، أعلنت وزارة النفط السورية أن إجمالي إنتاج البلاد قُدّر بحوالي 85 ألف برميل يومياً، وصل منها حوالي 15 ألف برميل إلى مصفاتَي حمص وبانياس، والباقي كان يتم تكريره بشكل بدائي في الشرق السوري الذي تسيطر عليه "قسد". 

العام 2004، خصوصاً أشهر أبريل/نيسان ويونيو/حزيران وديسمبر/كانون الأول، شهد سلسلة من التصريحات والبيانات المتناقضة لكل من رئيس الوزراء آنذاك ناجي العطري، ووزير النفط آنذاك إبراهيم حداد، حول خطورة تراجع إنتاج النفط السوري واحتمال تحول سورية لمستورد صاف للنفط بحلول 2015 أو 2020. 

تلك التصريحات كانت نادرة في ملف النفط السوري الغامض. إلا أن التعتيم الرسمي عاد وساد في الفترة من 2004 وحتى تفجر الحرب الأهلية السورية في 2011. شهدت تلك الفترة تقشفاً كبيراً في حجم الدعم الحكومي للمشتقات النفطية التي يستهلكها السوريون. 

ففي مايو/أيار 2008 رفعت الحكومة السورية أسعار الديزل (المازوت) بنسبة 257%، من 7 ليرات سورية لليتر الواحد إلى 25 ليرة. وقدمت الحكومة لأول مرة تعويضات مالية للعائلات، إلا أن هذه التعويضات توقفت بعد عامين. 

تراجع الإنتاج السوري من النفط خلال العقد الأول من الألفية كان نتيجة خروج شركات النفط الغربية من البلاد والعقوبات الغربية، خصوصاً الأمريكية منها. كما أن القسم الأكبر من آبار النفط السورية كان قد حفر في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وبدأ يعاني انخفاض طاقته الإنتاجية، وبات بحاجة إلى استثمارات كبيرة لتنفيذ ما يعرف بعمليات إحياء الآبار النفطية (Resuscitation of oil wells) والتي تتطلب ضخ الماء المقطر أو بعض الغازات إلى الآبار لتسهيل استخراج النفط. الحكومة السورية لم تنجح إلا بالاستثمار بشكل محدود في هذه الأنشطة في تلك الفترة. 

هذه التفاصيل تلخص غموض وإشكالية ملف النفط السوري قبل اندلاع الحرب الأهلية. البنية التحتية لقطاع النفط السورية كان لها نصيبها الكبير من الدمار والتخريب خلال الحرب، شأنها شأن باقي قطاعات البنى التحتية في البلاد. فقد لحقت أضرار مادية كبيرة بالبنى التحتية الخاصة باستخراج ونقل النفط من شمال شرقي سورية إلى مصفاتَي حمص وبانياس. بعض هذه الأضرار كانت نتيجة العمليات العسكرية، وبعضها نتيجة عمليات تخريب متعمدة أو لسرقة الأنابيب والصمامات ومكونات مجموعات الضخ. 

a3051b6c-d169-4880-9874-b252fc93237c

كما لحقت بآبار النفط في الشرق السوري أضرار كبيرة نتيجة عمليات الاستخراج البدائي للنفط، والتي أدت إلى تسرب الغازات المرافقة للنفط؛ مما أضعف من قدرات استخراج النفط من الآبار. فالنفط يتدفق نتيجة ضغط الغاز المرافق له. 

ولهذا نجد أن التقارير الحالية لإنتاج النفط من شمال شرقي سورية تضعه عند حوالي 15,000 برميل يومياً، بينما كان إنتاج حقل العمر النفطي وحده، في شمال محافظة دير الزور، يتراوح بين 100 و125 ألف برميل يومياً من النفط في 2010. 

مصادر النفط الحالية والمستقبلية

مع خروج حقول النفط عن السيطرة، باتت الحكومة السورية تعتمد بشكل حيوي على صادرات النفط الإيرانية. 

بيانات وكالة "Kpler" لتتبع حركة الشحن البحري تشير إلى أن سورية حصلت على 7% من صادرات النفط الإيرانية في العام 2023، وهذا ما يمكن أن يعادل ما بين 100 و 120 ألف برميل يومياً. 

ويرجح أنها حصلت عليها بسعر حوالي 50 دولاراً للبرميل تُسدد لاحقاً، وذلك ضمن خط ائتماني اتفق عليه الطرفان ولا تتوفر معلومات كافية حوله. 

e2c4e9bb-e585-4c26-b445-6ed3b243ec2f

مدير مصفاة بانياس، إبراهيم مسلم، صرح في 19 ديسمبر/كانون الأول، أن النفط الإيراني شكل 90% من واردات النفط السورية والباقي قُدم من الشرق السوري. هذه الكميات لم تكن كافية لتلبية سوى حوالي نصف الاستهلاك المحلي، والذي يتراوح قبل الحرب بين 200 و250 ألف برميل من النفط يومياً.

إلا أن إيران توقفت عن تصدير النفط لسورية فور سقوط النظام. وتظهر بيانات موقع "TankerTrackers.com" لتعقب حركة السفن أن ناقلة النفط الإيرانية، "Lotus"، التي كانت محملة بـ750 ألف برميل من النفط، قد عادت أدراجها قبل عبور قناة السويس إلى سورية في 7 ديسمبر/كانون الأول، وهو اليوم الأخير للنظام السوري السابق. فيما كانت الناقلة الإيرانية "Ramona I" آخر ناقلة تسلم النفط لسورية بالفعل. وتشير البيانات لكونها قد سلمت مليون برميل من النفط في 2 ديسمبر/كانون الأول. 

وفي عهد نظام الأسد، استفادت دمشق والأجزاء الغربية من سورية من المشتقات النفطية التي كانت تهرب من لبنان، تجنباً للعقوبات الأمريكية، خصوصاً قانون عقوبات "قيصر" الذي دخل حيز التنفيذ في ديسمبر/كانون الأول 2019. 

ولكن مع سقوط نظام الأسد، تشير التسريبات من لبنان إلى أن حلفاء الأسد السابقين سيعملون على تقييد عمليات تهريب المشتقات النفطية إلى سورية تحت شعار الالتزام بالعقوبات الدولية، علماً أن خصوم النظام السوري في لبنان طالما طالبوا في السنوات الماضية بتطبيق هذه العقوبات ووقف التهريب إلى سورية لكونه أيضاً يستنفذ مخزون لبنان من النقد الأجنبي. الولايات المتحدة أعلنت منذ أيام تمديد العمل بعقوبات قانون "قيصر" حتى العام 2029، بالرغم من سقوط نظام الأسد. 

c9d5709a-e41d-472b-b71d-78d4de687d43

في مواجهة هذه التطورات يلتفت السوريون مجدداً إلى نفط الشرق السوري. إلا أن هذا الملف يواجه تعقيدات كبيرة. فمن ناحية أولى، وعلى المدى القصير، تحتاج الحكومة السورية الجديدة لاتخاذ قرار واضح حول متابعة التعاون البراغماتي مع "قسد"، بشكل يسمح بمتابعة تدفق النفط من الشرق السوري – وإنْ كان بكميات زهيدة – أو الرضوخ للضغوط التركية وتنفيذ عملية عسكرية ضد "قسد"، والتي قد تُلحق المزيد من الأضرار بحقول النفط في الشرق السوري، وتوقف تدفقه لفترة غير معروفة. 

أما على المدى المتوسط والطويل، سيتطلب نفط الشرق السوري استثمارات كبيرة لرفع مستويات الإنتاج وإعادتها لما كانت عليه قبل تفجر الحرب في 2011.

الأضرار التي لحقت بحقول النفط في الشرق السوري تشبه إلى حد ما الأضرار التي لحقت بحقول النفط العراقية نتيجة ضعف عمليات الصيانة وعمليات الاستخراج البدائي خلال فترة الحصار (1990-2003). احتاج العراق لأكثر من عقد من الزمن، وعشرات مليارات الدولارات من الاستثمارات، لمضاعفة إنتاجه النفطي من 2 مليون برميل في 2004 إلى 4 ملايين برميل في 2015. 

وحالياً يحتاج استخراج برميل واحد من النفط في حقول جنوب العراق إلى ضخ برميل ونصف من الماء المقطر. العراق أطلق، في يونيو/حزيران 2023، مشروعاً جديداً باسم "CSSP" لتقطير المياه لتعزيز الإنتاج النفطي، بالتعاون مع شركة "TotalEnergies" الفرنسية، ويقدر أن تكلفته الإجمالية ستتراوح بين 10 و20 مليار دولار. 

أخبار ذات علاقة

أمريكا: لا نسرق نفط سوريا

بالمقارنة مع وضع العراق، يُتوقع أن تحتاج سورية لاستثمارات مليارية، وخبرات نوعية أجنبية، وعمل يستمر سنوات عدة قبل أن تتمكن من رفع إنتاجها من النفط. ومثل هذه الاستثمارات ستتطلب بدايةً رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سورية. وكذلك رفع العقوبات عن الفصائل المسلحة التي أطاحت بالنظام السابق، والموضوعة على قوائم التنظيمات الإرهابية لكل من مجلس الأمن، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول عدة أخرى. 

على خلفية هذه التعقيدات، يبدو أن الخيار الوحيد أمام حكام دمشق الجدد، للأشهر والسنوات المقبلة، هو البحث عمن يقبل تصدير النفط لسورية، على أن يتم بيع هذا النفط للمستهلكين في الداخل بدون أي دعم، وهذا ما يمكن أن يكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد السوري الهش. 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC