بالتزامن مع بدء أعمال اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني في سوريا، تبرز تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة التيارات الوطنية المنبثقة حديثاً على تحقيق شعاراتها المعلنة في الحرية والعدالة والديمقراطية، في ظل استمرار تعقيد المشهد السوري وضبابيته.
ويرى خبراء أن هذه التيارات تمثل استجابة طبيعية لحاجة البلاد إلى مسار سياسي جديد بعد عقود من القمع، مؤكدين أنها تسعى إلى إرساء دولة المواطنة والقانون.
ومع ذلك، يبقى نجاحها مرهوناً بمدى قدرتها على تجاوز التحديات السياسية والعملية، ومدى تجاوب السلطة الحاكمة مع هذه المبادرات، وسط تباين في الرؤى بشأن تأثير هذه التحركات في مستقبل البلاد.
وأشار أحد مؤسسي التيار المدني الديمقراطي، غسان جديد، إلى أنه بعد أكثر من 60 عاماً على إلغاء الحياة السياسية في سوريا، وبعد سقوط نظام بشار الأسد، تحررت الساحة الوطنية من القمع والاستبداد وتكميم الأفواه.
وأوضح لـ "إرم نيوز" أن القوى السياسية شعرت بأن الوقت قد حان لنشوء حركات وتجمعات وتيارات تعبّر عن الرأي العام السوري وهموم المواطنين؛ ما أدى إلى ظهور العديد من هذه التجمعات تحت مسميات مختلفة، إلا أن معظمها يتفق على المبادئ العريضة للدولة المدنية القائمة على المواطنة، والقانون، والحريات، والتداول السلمي للسلطة.
وأضاف أن هذه التيارات، سواء أعلنت ذلك أم لم تعلن، تمثل كتلة واحدة في مواجهة أي استحقاق سياسي، نظرًا لاتفاقها على الهدف الأساس المتمثل في بناء دولة المواطنة.
وبيّن أن هذه الحركات المدنية تعد رداً سلمياً وعملياً في مواجهة التيارات الدينية السابقة، والتي تنشأ حالياً بمسميات طائفية، رافضاً إياها جملة وتفصيلاً، ومؤكداً ضرورة تحقيق مشاركة وطنية حقيقية في صناعة القرار الإداري والسياسي للدولة.
وأشار جديد إلى أن الشعب السوري معروف باعتداله وفكره الحر، وأنه لن يكون للفكر المتطرف، سواء أكان دينياً أم قومياً، أي دور في المرحلة القادمة، خاصة بعد أن ثبت فشل هذا التطرف في العديد من الدول، معرباً عن أمله في أن يكون الهدف المشترك للقوى السياسية هو تحقيق الخير لسوريا.
من جانبه، يرى أمين عام التحالف السوري الديمقراطي، حسان الأسود، أن بدء تنفيذ وعود الإدارة الجديدة بات واضحاً من خلال تشكيل لجنة التحضير لمؤتمر الحوار المدني، لكنه أشار إلى أن العديد من القوى السورية ترى أن هذه اللجنة جاءت بلون سياسي واحد تقريباً.
وأضاف لـ "إرم نيوز" أن جوهر المسألة لا يتعلق فقط بتشكيل اللجنة، وإنما بما ستنتجه من معايير لاختيار المشاركين في المؤتمر، وطبيعة القضايا التي ستُطرح على جدول أعماله، والمخرجات النهائية التي ستصدر عنه.
وأوضح أن اقتصار نتائج المؤتمر على توصيات غير ملزمة سيجعل منه حدثاً ثانوياً قد تأخذ به الإدارة أو تتركه، بينما يرى التحالف السوري الديمقراطي أن المؤتمر الوطني يجب أن يخرج بقرارات ملزمة، كونه يمثل نموذجاً مصغراً للهيئة التأسيسية التي سيقع على عاتقها بناء العقد الاجتماعي السوري الجديد، ما يجعله معبّراً عن مختلف مكونات الطيف السوري.
وأكد الأسود أن القوى السياسية السورية ستسعى، بلا شك، إلى بناء التحالفات والائتلافات والتيارات والجبهات لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة، إلا أن مدى قدرتها على تحقيق أهدافها سيعتمد على عدة عوامل، منها: مدى قدرتها على العمل المشترك، ووضع أهداف مرحلية قابلة للتحقيق، ومدى تجاوب السلطة الحاكمة معها، إضافة إلى مساحة الحرية المتاحة لممارسة العمل السياسي.
وبيّن أن هناك استبعاداً واضحاً للتعامل مع القوى السياسية السورية بصفتها هذه من قبل الإدارة الجديدة حتى الآن، بحجة عدم وجود قانون للأحزاب ينظم عملها.
واعتبر أن هذا التبرير غير مقنع؛ لأن الدولة تستمر في عملها ومؤسساتها تعمل بكامل طاقتها رغم غياب دستور واضح بعد إسقاط دستور عام 2012 وإلغاء العديد من القوانين، متسائلاً: كيف يُبرر استمرار عمل مؤسسات الدولة في ظل غياب الدستور، بينما يُستثنى العمل الحزبي بحجة عدم وجود قانون ينظمه؟
يُذكر أن من بين التيارات الوطنية الجديدة التي أبصرت النور بعد سقوط النظام، «تجمّع القوى الوطنية السورية – قوس».