جنوب أفريقيا: طرد واشنطن لسفيرنا أمر مؤسف
بينما كانت الأنظار مشدودة باتجاه "حمام الدم" في الساحل السوري، والتحدي الخطير الذي تواجهه السلطات السورية في اختبارها الأول، تكفّلت صورة ملتقطة لأحمد الشرع ومظلوم عبدي بإعادة لفت الأنظار إلى مكان آخر من البلاد لا يقل أهمية وحساسية.
أظهرت الصورة الرجلين يوقّعان اتفاقا لاندماج "قوات سوريا الديمقراطية" ضمن مؤسسات الدولة السورية، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم، ونشَرَتها المُعرفات الرسمية إلى جانب صور لنص الاتفاق، الذي تبدو خطوطه العريضة واضحة، لكنها تفتقر للتفاصيل.
"إرم نيوز" تحدث مع القيادي في قوات سوريا الديمقراطية والناطق باسمها، محمود حبيب، الذي أجاب في هذه المقابلة بـ "دبلوماسية" شديدة وتحفظ، على مجموعة من الأسئلة التي تشغل بال السوريين والمنطقة، كاشفا عن حقيقة الدور الذي لعبته واشنطن في الاتفاق مع دمشق.
كان الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة في دمشق مفاجئا للجميع، خاصة أنه تزامن مع المجازر في الساحل السوري.. هل هناك من دفع "قسد" لتسريع توقيع الاتفاق مع دمشق "لمد خشبة الإنقاذ للسلطة السورية" التي تعرضت لنكسة قوية في أول اختبار حقيقي، في طريقة تعاملها مع مجازر الساحل وردود الفعل الدولية عليها؟
جاء الاتفاق بعد سلسلة من الحوارات حول الأولويات التي يجب إدراجها في لجان مشتركة للبحث و بذلك يكون الاتفاق نقطة بداية رسمية للتفاهم و التأكيد على ما التزم به الطرفان و تزامن ذلك مع تصاعد الأحداث في الساحل، الأمر الذي خفف حدة الصراع و أعطى هذه الخطوة أهمية أكبر حيث كان لها مردود إيجابي على الصعيد الوطني و هذا أمر جيد .
هناك تسريبات للصحافة الغربية تقول بأن الولايات المتحدة ضغطت عليكم لتوقيع الاتفاق، تمهيدا لانسحاب القوات الأمريكية من سوريا ونزع ذريعة تركيا في التدخل.. هل هذا صحيح؟ وما الدور السعودي في توقيع الاتفاق؟
لم يضغط علينا أي طرف و ما دفعنا لهذه الخطوة رغبتنا في خروج بلدنا من هذا النفق المظلم و رؤية سوريا تتعافى تدريجيا وما يرد في الصحف عن الانسحاب الأمريكي لا يتعدى قراءات و تحليلات مستقبلية، و لن تنسحب تلك القوات في المدى المنظور. أما تركيا فلا تحتاج إلى ذرائع كي تتدخل في الشأن السوري و لديها أكثر من 30 ألف جندي في سوريا لا يتحدث أحد عن سبب وجودهم أو متى سينسحبون.
وأعتقد أن السعودية و الدول العربية كانت تدعم الخطوات التي تقوم بها حكومة دمشق بالتواصل مع شرق الفرات و باقي المناطق في سوريا لإدراكها أهمية الوحدة الوطنية.
لم تظهر تفاصيل الاتفاق وبقيت عامة إلى حد ما.. مع ترجيح أن يكون الاتفاق وفقا لشروط قسد كما توقع البعض، بسبب حاجة الشرع للاتفاق ربطا بأحداث الساحل. هل تؤكد ذلك. وهل تعتبرون أن شروطكم السابقة تمت تلبيتها من قبل دمشق، وخاصة شرط دمج "قسد" في وزارة الدفاع السورية ككتلة واحدة وليس كأفراد؟
الأهم أن هذا الاتفاق اصبح حقيقة، وهو سيسهم في إنقاذ البلد من الانجرار نحو الأسوأ، و نحن حريصون على ألا يكون في هذا الشأن غالب أو مغلوب، و نؤكد أنه سيلبي رغبة الجميع وأهمها الهدوء الذي حصل في الساحل.
أما بالنسبة لـ "قسد" و دخولها إلى جيش الدولة ككتلة فهي مصلحة وطنية و ليس مطلبا تعجيزيا؛ لأن لديها قيادة هرمية وخبرات قتالية و أمنية تحتاجها سوريا بشدة في هذه الأوقات، وحكومة دمشق تعرف ذلك وهذه المسألة تبحثها لجنة مشتركة لوضع الترتيبات اللازمة لهذا الأمر .
هل بدأت اللجان التي تم الاتفاق على تشكيلها بين قسد ودمشق بالعمل.. وما الأولويات اليوم؟
لا أعلم بالضبط ما إذا كانت هذه اللجان قد شكلت و بدأت مداولاتها أم لا، و من الواضح أن هذه الترتيبات بعيدة عن الإعلام كيلا يؤثر على سير عملها، ومن الطبيعي أن تكون الملفات العسكرية و الأمنية في مقدمة البحث .
تم وضع مهلة حتى نهاية العام لتطبيق بنود الاتفاق.. وهذا فتح المجال للتشكيك بصمود الاتفاق من قبل البعض الذي يقول إن الشيطان يكمن في التفاصيل. ما ردكم. هل يمكن أن يتم تجميد الاتفاق لأي متغير أو سبب يطرأ فيما بعد؟
تتوفر إرادة حقيقية عند الطرفين للخروج بتفاهمات تخدم الشعب السوري بعد سنوات من الصراع و الفشل، وبهذا نقطع الطريق على شياطين التفاصيل وأؤكد لكم أن النتائج سترضي الشعب السوري وتكون عند حسن ظنه، و لن يكون هناك ما يمنع أو يعطل استمرار عمل اللجان للوصول إلى تلك النتائج.
اليوم هناك أخبار تنشرها وسائل إعلام مقربة من السلطة السورية تفيد بأن "قسد" قامت باعتقالات واسعة في ريف دير الزور والحسكة لمؤيدين للسلطة وبعضها بسبب احتفالهم بالاتفاق.. هل هذا صحيح.. ولماذا تم اعتقال هؤلاء؟
الساحة السورية مليئة بالإشاعات والأقاويل. ليس هناك أي اعتقالات تحت هذا العنوان. على العكس قامت القوات الأمنية الكردية بحماية مراكز الاحتفال. و لا ننسى سجود المحتفلين في مدينة الحسكة شكرا لله على هذا الاتفاق و لم يعتقل أي إنسان في هذه المناسبة أو بسببها.
قوات سوريا الديمقراطية كانت تصر دائما على إبقاء سجون داعش تحت سلطتها.. ما الذي غير رأيكم تجاه هذه النقطة وما الضمانات التي قدمتها دمشق في هذا الملف؟
لم يتغير شيء حتى الآن. و لكن يدخل في هذا الموضوع عوامل أخرى أهمها أن اللجان لا تزال تبحث هذه القضية كما بقية الملفات، ومن جهة أخرى فإن قوات التحالف تساعد في تلك الحماية ومن الطبيعي التنسيق معها بهذا الخصوص، ودمشق تعلم أبعاد و مخاطر هذه المسألة و تضعها في الاعتبار، والأهم أننا جميعا نسعى لوضع أفضل يعود بالنفع على حاضر ومستقبل البلد، و الجميع متفق على اتخاذ الإجراءات التي من شأنها ترسيخ الأمن والاستقرار على كامل الجغرافية السورية .
ما رأيك بالموقف التركي الذي يعبر عن "تفاؤل حذر" بالاتفاق، وكيف تعلقون على تصريحات تركيا الأخيرة بأن عملياتها العسكرية مستمرة في شمال سوريا.. وهل تعتقدون بأن الاتفاق جاء لغير صالح أنقرة؟
الموقف التركي متناقض من حيث التصريحات ومن جهة العمليات العسكرية، لذلك على تركيا توضيح موقفها والأهم أن هذا الاتفاق جعل من قوات سوريا الديمقراطية جزءا من جيش الدولة و تم إعلان وقف إطلاق النار على المستوى الوطني، و لكن استمرار تركيا بعملياتها العسكرية و تهديدها باستمرار تلك العمليات ينسف تصريحاتها.
في الشق الثاني من السؤال، لا أعتقد ان هذا الاتفاق جاء ضد مصلحة تركيا، بل على العكس؛ كان أحد مطالبها، ونأمل أن تقوم تركيا بما يدفع هذا الاتفاق قدما وهي قادرة على ذلك بحكم تأثيرها الكبير على المشهد السوري .
إسرائيل أيضا لا تبدو سعيدة بالاتفاق، نظرا لتشككها بالإدارة الجديدة في دمشق. هل هناك أي تواصل بينكم وبين تل أبيب حول الاتفاق ومآلاته؟
لقد ناقشنا مع دمشق قضية داخلية تساعد في خروج سوريا من أزمتها و اتفقنا على إطار واضح بهذا الشأن، وقلنا سابقا إن الحل يكون في دمشق و ليس في أي مكان آخر. ونتمنى أن يصب هذا الاتفاق في طمأنة دول جوار سوريا.
ما رأيكم بموقف وجهاء السويداء المتحفظ حتى الآن على الاتفاق مع الإدارة الجديدة إلا بشروطهم التي نعرفها.. هل تؤيدونهم في موقفهم أم تدعمون انضمامهم للاتفاق كما فعلتم.. وضمن أي شروط؟
أعتقد أن أهلنا في السويداء يرغبون في التوصل إلى حلول مستدامة، و الحوار مع دمشق مستمر، ويحتاجون إلى ضمانات تستطيع دمشق منحها لهم، وبذلك لن يكون الاتفاق بعيدا، و لدى أبناء السويداء من الوطنية و الوعي السياسي ما يدفعهم لاختيار الأفضل. نؤكد على حقهم بالحصول على ضمانات تحفظ حقوقهم، و نرغب بشدة أن يكونوا جزءا مهما لا يمكن الاستغناء عنه في بناء سوريا الجديدة.
كيف قرأتم خطاب عبدالله أوجلان ودعوته لوقف العمل المسلح. هل تعتقدون أن هذا الأمر ممكن. وهل يمكن حل المسألة الكردية في المنطقة بعيدا عن العمل المسلح؟
نرحب بكل الجهود التي تصنع السلام. و قد كان خطاب السيد أوجلان إشارة واضحة بهذا الخصوص، وقد أدى دوره الريادي في هذا الشأن. وعلى تركيا أن تقوم بما عليها إذا كانت راغبة بتحقيق هذا السلام، مع العلم أن القضية الكردية قديمة و تم تجاهلها على مدى عقود، ولكن حلها بالطرق السياسية ليس صعبا إذا توفرت الإرادة لذلك، وهذا سيضيف المزيد من الأمن الإقليمي ويدفع شعوب هذه المنطقة نحو البناء و الازدهار و هذا ما نرجوه.
كيف ستتعاملون مع ملف الأجانب من حزب العمال الكردستاني في صفوف قسد. هل سيتم إخراجهم من سوريا كما تطلب أنقرة ودمشق. وهل طلبتم بالمقابل من دمشق إخراج المقاتلين الأجانب من صفوف الجيش السوري؟
من حيث المبداً نحن على استعداد لإخراج المقاتلين الأجانب مع أن وجودهم كان له دور مهم في دحر تنظيم داعش، وقدموا تضحيات كبيرة لحماية الأرواح في سوريا. أما بالنسبة لغيرهم من المقاتلين على الأرض السورية فهذه مهمة الحكومة في دمشق، ومن المهم والأفضل ألا تكون هناك معايير مزدوحة في هذه القضية.
هناك مطالب ودعوات من العلويين لانتشار قوات قسد في الساحل كحل قد يرضيهم بعد المجازر التي حصلت.. وفقدان الثقة بالإدارة والجيش السوري. هل يمكن أن يتحقق مثل هذا المطلب، وهل تمت مناقشته مع دمشق؟
تأثرنا جميعا كسوريين بما حصل في الساحل من انتهاكات غير مقبولة، و رأينا كيف سارعت حكومة دمشق لتشكيل لجنة تحقيق، وقد أكد الرئيس الشرع على محاسبة الفاعلين. أما موضوع انتشار قواتنا في الساحل فهو أمر يحتاح ترتيبات وبحثا على مستوى القيادة، و لا أعلم إذا تم طرحه للنقاش. و أعتقد ان الإجراءات التي اتخذت في اليومين الأخيرين ساهمت في تخفيف حدة التوتر، ونأمل أن يوضع حد لهذه التجاوزات.
