إذاعة الجيش الإسرائيلي: البحرية الإسرائيلية ضربت أهدافا على شواطئ غزة
لا تزال عيون السوريين تراقب التحركات الإسرائيلية في الجنوب السوري. فإسرائيل التي بقيت لقرابة 14 عاماً تكتفي بمراقبة مجريات الحرب في سوريا، والضرب عن بعد عند الحاجة، تبدو اليوم في طريقها لتصبح لاعباً مؤثراً بقوة.
وقد تصبح إسرائيل اللاعب الأقوى على الإطلاق في رسم مستقبل سوريا ما بعد الأسد، بعد أن تطورت مواقف إسرائيل، وارتفع سقف تدخلاتها المحتملة في المسرح السوري.
البداية الرسمية كانت مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 23 فبراير/شباط، ضرورة خروج قوات النظام السوري الجديد من محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، والتعهد بحماية طائفة الموحدين الدروز.
أعقب هذا الإعلان تصريحات لمسؤولين إسرائيليين مختلفين فضلاً عن تحركات عسكرية متكررة.
وكان أوسع هذه التحركات حتى الآن ليلة 25-26 فبراير/شباط، حيث وصلت القوات الإسرائيلية إلى ريف درعا الغربي.
وفي 1 مارس/آذار، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي الإيعاز للجيش الإسرائيلي بالاستعداد لحماية مدينة جرمانا، ذات الغالبية الدرزية في ريف دمشق، وذلك في مؤشر على أن مساحة العمليات الإسرائيلية قد تتوسع بشكل كبير إلى خارج محافظات الجنوب السوري، وتشمل منطقة جرمانا الاستراتيجية والتي تعني السيطرة عليها قطع الطرق إلى مطار دمشق الدولي.
مع ذلك فإن عوام السوريين الذين خبروا جيداً الحرب وتفاصيلها يستغربون التباين بين السقف المرتفع للمواقف الإسرائيلية والانتشار العسكري المتواضع.
فبحسب وسائل الإعلام العبرية يقدر حجم القوات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية (أي خارج الجولان السوري المحتل) بحوالي ثلاثة ألوية.
هذا ليس بالعدد الضئيل، ولكنه لا يبدو كافياً للسيطرة على محافظات الجنوب الثلاث. كما أن الانتشار الدائم والنشط للقوات الإسرائيلية لا يزال مقتصراً على محافظة القنيطرة، أصغر محافظات الجنوب السوري الثلاث.
فهل يمكن لإسرائيل تنفيذ المهام التي حددتها لنفسها، من إخلاء لمحافظات الجنوب السوري وحماية الدروز حتى في العاصمة دمشق؟ وبأي أدوات ستنفذ إسرائيل هذه المهام؟ وكيف يمكن أن تتغير التصورات الإسرائيلية للمهمة وأدواتها مع الوقت؟
جغرافياً، تشكل محافظات الجنوب السوري الثلاث ما يشبه المستطيل يقابل ضلعه الأقصر مرتفعات الجولان المحتلة.
وتقسم مساحة هذا المستطيل إلى محافظة القنيطرة (1,800 كيلومتر مربع) في الغرب ودرعا (3,700 كيلومتر مربع) في الوسط والسويداء (5,500 كيلومتر مربع) في الشرق.
ويتوزع التواجد الأكبر لطائفة الموحدين الدروز التي تعهدت إسرائيل بحمايتها بين محافظتي القنيطرة والسويداء، فضلاً عن مدينة جرمانا الواقعة في جنوب محافظة ريف دمشق، وإلى الشمال من درعا.
وتزيد مساحة المحافظات الثلاث على 11,000 كيلومتر مربع، أي أنها تفوق بقليل مساحة لبنان، كما يسكنها مليون نسمة على أقل تقدير.
أما مدينة جرمانا فيقدر أن سكانها يتراوحون بين نصف مليون ومليون نسمة، وذلك بعدما تضخمت وتحولت لملاذ آمن للنازحين من مختلف المناطق السورية منذ العام 2011.
وجرمانا لا تمتلك اتصالاً جغرافياً مباشراً مع محافظات الجنوب السوري. مما يعني أن تنفيذ مهمة حماية الدروز في سوريا قد يتطلب السيطرة على مساحة تزيد بكثير على 11,000 كيلومتر مربع وعن تحمل إسرائيل المسؤولية المباشرة عما يمكن أن يصل إلى مليوني نسمة.
هذا ما يتحدث عنه الكثير من السوريين اليوم الذين يتساءلون عن قدرة إسرائيل على تنفيذ هذه المهمة.
وتفترض هذه التصورات أن إسرائيل ستضطر لتكرار تحركاتها السابقة، مثل تلك التي ظهرت خلال حربي 1967 و1982، والتي اعتمدت على عمليات واسعة تستخدم تشكيلات عسكرية كبيرة فرضت السيطرة المباشرة على الأرض.
مع ذلك فإن حربي غزة ولبنان الثالثة، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، أظهرتا حصول تغييرات مهمة في التكتيكات العسكرية الإسرائيلية، حيث تجنبت إسرائيل إرسال قواتها للسيطرة الكاملة على مسارح العمليات وتنفيذ عمليات احتلال تقليدية.
كما تجنبت إسرائيل العمليات الخاطفة التي كانت السمة المميزة لحروبها السابقة، خصوصاً حرب 1967. وفضلت بدل ذلك الاعتماد على العمليات الصغيرة التي تراكم المكاسب تدريجياً، وإن كان على فترة طويلة بشكل استثنائي.
البداية، سواء في غزة، أو في جنوب لبنان، كانت عبر تأمين مواقع آمنة للقوات الإسرائيلية، بدايةً في محيط مسارح العمليات، ثم داخل تلك المسارح، لتكتفي القوات الإسرائيلية بعد ذلك بالخروج من مواقعها المحصنة لتنفيذ عملياتها المختلفة لساعات عدة، ثم تعود إلى مواقعها الآمنة.
وبهذا تتجنب هذه القوات البقاء مكشوفة ومعرضة للهجمات لفترات مطولة، أو الاضطرار إلى إرسال قوات لتنفيذ مهام دوريات مراقبة. كما تتجنب الحاجة إلى الاعتماد على خطوط إمداد طويلة، والتي تواجه بدورها احتمال التعرض للعبوات الناسفة والكمائن.
وتشير تجربة إسرائيل في قطاع غزة، قبل الانسحاب منه في 2005، وفي جنوب لبنان، قبل الانسحاب منه في 2000، إلى أن الخسائر الأكبر لقواتها كانت نتيجة استهداف أرتال الإمداد الخاصة بها ونتيجة استهداف دوريات المراقبة.
وباتت التقنيات الحديثة، خصوصاً الأنظمة الجوية والبرية المسيرة وتقنيات الذكاء الاصطناعي والتصوير الحراري، تسمح للقوات الإسرائيلية بتأمين مساحات واسعة بشكل فعال.
وتحمل التحركات في الجنوب السوري في الأسابيع الأخيرة، حتى قبل الإعلان الرسمي من نتنياهو عن طبيعة المهمة التي تسعى إسرائيل لتحقيقها، الكثير من ملامح تشبه مع ما ظهر في حربي غزة ولبنان، ولكن مع اختلاف بسيط يتعلق بتواضع القدرات العسكرية المتبقية في المسرح السوري، والتي يجب على إسرائيل التعامل معها.
ولعل هذا هو ما يفسر أن القوات التي حشدتها إسرائيل داخل الأراضي السورية لا تزال متواضعة.
وشملت التحركات الإسرائيلية الفعلية في محافظات الجنوب السوري حتى الآن التقدم إلى مواقع عسكرية قديمة في القنيطرة وغرب درعا وتمشيطها وتدمير ما تحتويه من ذخائر وعتاد، ثم الانسحاب.
وبالاستفادة من تجربة حربي 1967 و1973، ركزت القوات الإسرائيلية اهتمامها على التلال الاستراتيجية التي تسمح لها بالسيطرة على الجنوب السوري الذي يغلب عليه الطبيعة السهلية.
وأهم هذه المرتفعات الاستراتيجية هي جبل الشيخ (ارتفاع 2800 متر) وتل الحارة (1073 متراً)، وتل المال (991 متراً)، وتل قرين (871 متراً)، وتل أحمر الشرقي (858 متراً)، وتل عنتر (848 متراً).
وبدأ الانتشار الدائم الأوضح للقوات الإسرائيلية في أقصى الغرب، في محافظة القنيطرة والأجزاء الغربية من محافظة ريف دمشق. فسيطرت القوات الإسرائيلية على جبل الشيخ في 10 ديسمبر/كانون الأول 2024، ثم سيطرت على تل أحمر الشرقي في 13 يناير/كانون الثاني 2025.
وبدأ الحضور العسكري الإسرائيلي تدريجياً في هذه المناطق عبر عمليات إنزال وتمشيط وتدمير للتحصينات القديمة وإنشاء مواقع عسكرية إسرائيلية جديدة.
والمرحلة التالية هي تنفيذ عمليات دورية في محيط هذه المرتفعات الحاكمة مع إقامة عدد من الحواجز ونقاط المراقبة التي تنتشر تدريجياً.
وقد امتدت هذه الحواجز، بحلول صباح أمس 3 مارس/آذار، لتشمل أغلب الأجزاء الجنوبية والشمالية من محافظة القنيطرة بعد أن اقتصرت في السابق على مركز المحافظة.
وليل أمس الاثنين نفذت القوات الإسرائيلية عمليات إنزال على تل المال، أحد أهم التلال الحاكمة في شمال محافظة درعا، وكررت هناك التكتيكات نفسها التي رأيناها في المناطق السابقة.
مقابل هذه التحركات الإسرائيلية المنهجية يُسجل غياب كامل لقوات الإدارة السورية الجديدة، مع اكتفاء وسائل الإعلام العربية والمحلية المقربة منها بالقول إن إسرائيل تستهدف مواقع عسكرية للنظام السابق وللقوات الإيرانية.
ويبدو التوسع الإسرائيلي التدريجي في الجنوب السوري حتمياً، ولا ينتظر سوى توفر المزيد من القوات.
وفي 2 مارس/آذار، وافقت الحكومة الإسرائيلية على قرار يجيز للجيش الإسرائيلي رفع أعداد الاحتياط التي يستطيع استدعاءها إلى 400 ألف جندي، وذلك حتى 29 مايو/أيار.
وكانت إسرائيل فوضت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 الجيش الإسرائيلي باستدعاء ما يصل إلى 360 ألف جندي (الحد الأقصى الذي استدعي منها كان 320 ألفاً).
ويمكن للتوسع باستدعاء الاحتياط أن يكون نتيجة ارتفاع احتمال عودة القتال في قطاع غزة، إلا أن التراجع الكبير في قدرات حركة "حماس" هناك بالتزامن مع التراجع الكبير في احتمال تجدد القتال في جنوب لبنان لا يبرر زيادة عديد القوات الإسرائيلية بهذا الشكل.
وهذا يرجح أن زيادة حجم الاحتياط المستدعى للخدمة مرتبط بالتطورات المحتملة في الجنوب السوري.
وخارج الجنوب السوري تتابع إسرائيل تحركاتها الجوية. يوم 3 مارس/آذار كان استثنائياً حتى بالمقارنة مع القصف الواسع الذي نفذته إسرائيل للمواقع العسكرية في أعقاب سقوط النظام. فقد قصفت إسرائيل أمس عدة مواقع للدفاع الجوي في الساحل السوري.
التفصيل اللافت هو إرسال رسائل نصية لهواتف السوريين في الساحل تحذرهم من الوُجود بالقرب مما وصفته بـ"مراكز تجمع المخربين" – في إشارة إلى مواقع قوات الإدارة السورية الجديدة.
الرسائل النصية أشارت إلى أن مناطق آمنة ستُعْلَن خلال الأيام المقبلة. وليس من الواضح ما إذا كان تعبير "المناطق الآمنة" مناطق يجب أن ينتقل إليها المدنيون لتجنب القصف – كما كانت إسرائيل تفعل في جنوب لبنان – أم مناطق آمنة خالية من وجود قوات الإدارة السورية الجديدة، كما يحصل الآن في الجنوب السوري.
أياً كان الجواب تبقى النتيجة نفسها وهي أن إسرائيل باتت هي من يحدد حدود نفوذ وسيادة الإدارة السورية الجديدة، وأنها كذلك صاحبة الفيتو الفعلي على رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، فماذا ستفعل الإدارة السورية الجديدة وحلفاؤها؟