بينما يطالب اليمين الفرنسي المتطرف بفرض عقوبات على الجزائر، تتصاعد الأصوات التي تدعو إلى التهدئة ونزع فتيل الأزمة عبر إبعاد الوزراء المتدخلين في الشؤون الدبلوماسية.
ويزداد وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو عزلة في هجماته على الجزائر وحملته ضد اتفاقية الهجرة، حيث يتعرض لانتقادات واسعة مع تصاعد الضغوط على الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يظل صامتًا تجاه الانقسام داخل حكومته.
وأعلن وزير الداخلية الفرنسي في تصريح للصحافة عن رغبته في إنهاء الاتفاقية الجزائرية الفرنسية الموقعة سنة 1968.
وتنص الاتفاقية على تسهيل تنقل الجزائريين إلى فرنسا، لكن الأمر ليس في يد ريتايو، بل في يد إيمانويل ماكرون الذي رفض حتى الآن الدخول في مجال إعادة التفاوض أو الإلغاء.
ويأمل اليمين المتطرف أن ينتهي الأمر برئيس الدولة إلى تغيير موقفه من خلال إعادة طرح مسألة الاتفاق بين فرنسا والجزائر على الطاولة.
ويرى الأكاديمي في جامعة الجزائر محمد علاقي، أن المعسكر الرئاسي في فرنسا يلعب "ورقة الحذر"، ولا سيما في ما يتعلق بدعوة وزير الداخلية بضع مرات إلى وضع حد لهذه المعاهدة التي تسهل توطين الرعايا الجزائريين.
وتوقع علاقي، في تصريح لـ"إرم نيوز"، جنوح الحكومة الجزائرية إلى اتخاذ إجراءات تصعيدية في حال وقوع ماكرون في فخ وزير الداخلية الفرنسي، من ضمنها خفض عدد التصاريح القنصلية، وهي الوثيقة الصادرة عن البلد الأصلي للشخص الخاضع للالتزام بمغادرة أراضي البلاد والتي من دونها لا يمكن طرده.
ورغم الاضطرابات القوية بين البلدين بعد الدفء الواضح في العلاقات في السنوات الأخيرة، فإن التجارة بين البلدين تسير بشكل جيد للغاية.
ومع ذلك فإن الجزائر، أكبر مستورد للقمح في العالم، توقفت عن استيراد الحبوب الفرنسية واستبدلته بالقمح الروسي.
ويتخوف الفرنسيون من تأثير الأزمة أيضًا في مجالي الغاز والنفط، فقد زادت صادرات الجزائر من المحروقات بنسبة 15 في المئة على خلفية الحرب في أوكرانيا والرغبة في تقليل الاعتماد على الغاز الروسي.
ورغم تحمس وزير الداخلية الفرنسي للدفع بإجراءات انتقامية، فإن الدبلوماسية الفرنسية امتنعت حتى الآن عن التصعيد.
ورد وزير الخارجية جان نويل بارو على زميله في الحكومة بأن "وزارة الخارجية تحت سلطة رئيس الجمهورية، حيث يتم تشكيل السياسة الخارجية الفرنسية".
وذكّر جان نويل بارو باقتراحه "الذهاب إلى الجزائر لاستعادة التعاون بين البلدين، من خلال التعامل مع جميع مواضيع التوتر، وليس فقط تلك التي تصدرت الأخبار في الأسابيع الأخيرة".
وأفادت العديد من وسائل الإعلام الفرنسية، بما في ذلك "بوليتيكو"، بأن المستشار الدبلوماسي الرئيس للإليزيه، إيمانويل بون، قدم استقالته يوم الجمعة الـ10 من يناير إلى مكتب إيمانويل ماكرون، لأسباب من بينها التدخل المتكرر من برونو ريتايو في الشؤون الدبلوماسية، وبالتحديد إدارة الأزمة مع الجزائر.
وندّد الدبلوماسي ورئيس الوزراء السابق دومينيك دو فيلبان، بالدعوة لإلغاء الاتفاقية الفرنسية الجزائرية بشأن الهجرة، واستذكر حلقات من التاريخ المشترك.
ووصف الأزمة الحالية بأنها الأخطر بين البلدين منذ حرب الجزائر (1832-1962)، وقال الدبلوماسي إنه "يجب علينا إظهار الكثير من رباطة الجأش ".
وأوضح أن هناك ملايين الجزائريين من فرنسا، وملايين الفرنسيين الجزائريين، وبشكل أوسع من ذلك، ملايين الفرنسيين من المغرب العربي، الذين يشاهدون بقلق كبير هذه التقلبات.
وذكّر دو فيلبان برونو ريتايو قائلًا إن "هناك سوء فهم منذ البداية، وزير الداخلية يريد حل القضايا التي لا يمكن حلها إلا بالدبلوماسية، بدلًا من وزير الخارجية".
كما عادت المرشحة الرئاسية السابقة سيغولين رويال إلى الموقف الذي اعتمده وزير الداخلية في إدارة الأزمة مع الجزائر، متسائلة عبر حسابها في منصة "إكس"، عن أدوار ريتايو "الموجود في كل مكان" والذي قالت إنه "يضاعف المواقف العدوانية".