فرنسا.. هل يتغلب اليسار على انقساماته ليشكل حكومة ائتلافية؟

رغم أن "الجبهة الشعبية الجديدة" لليسار في فرنسا، باتت القوة السياسية الرائدة في البرلمان، بعد فوزها في الانتخابات، إلا أنها لم تحصل على الأغلبية التي تسمح لها بتشكيل الحكومة المستقبلية، وذلك لعدة أسباب أهمها الانقسامات العميقة لائتلاف اليسار المكون من عدة أحزاب يسارية مختلفة. حسبما قال محللون فرنسيون لـ "إرم نيوز".

ومع وجود 172 إلى 215 نائبًا وفقًا للتقديرات الأولية من معاهد "إيفوب" و"إيبسوس"، أصبحت الجبهة الشعبية الجديدة لليسار، القوة السياسية الرائدة في البرلمان لكن دون أغلبية تسمح بتشكيل الحكومة. 

ويطالب اليسار الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد مساء الأحد، بالسلطة، إذ أعلن زعيم حزب فرنسا الأبية (يسار متطرف)، جان لوك ميلانشون لمؤيديه أنه "يجب على الرئيس أن يدعو الجبهة الشعبية الجديدة إلى الحكم". 

هل اليسار مهدد بالانقسام؟

وقال الباحث السياسي في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والاستراتيجية، باسكال بونيفاس لـ"إرم نيوز"، إن الحملة القصيرة للانتخابات التشريعية اتسمت بالانقسامات في اليسار، خاصة حول دور الأحزاب في الائتلاف الكبير الذي يمكن أن ينشأ في حالة حصول ائتلاف اليسار على أغلبية نسبية، ولفت إلى أن مسؤولي أحزاب الائتلاف يستبعدون أي مشاركة في حكومة لا تتخذ كأساس برنامج الجبهة الشعبية الجديدة.

 وتابع أن برنامج الجبهة يتضمن إلغاء إصلاح نظام التقاعد وإصلاحات التأمين ضد البطالة، إضافة إلى زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 1600 يورو صافيًا، والرواتب مقابل التضخم، ويفضل أعضاء آخرون في هذا التحالف المشاركة في حكومة وحدة لمحاربة اليمين المتطرف.

من جهته، رأى الباحث السياسي الفرنسي في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية جون إيف كامو أن التوترات ظهرت أيضًا حول شخصية جان لوك ميلانشون، وإذا دافعت حركة اليسار الراديكالي عن المنبر كرئيس وزراء محتمل في حالة الفوز، والذي حصل على 22% خلال الانتخابات الرئاسية عام 2022، فإن بعض الشخصيات عارضت هذا الاحتمال علنًا. 

وقال المحلل السياسي الفرنسي إن هذه التصريحات المختلفة لقادة اليسار، قبل دقائق قليلة من انتصار كتلة اليسار، تكشف أيضًا عن هشاشة التحالف الذي تم التوصل إليه في أربعة أيام، بعد حملة خاضها اليسار في البرلمان الأوروبي وهم على خلاف.

جدل بشأن ميلانشون

وبينما أكد الأمين العام للحزب الاشتراكي أوليفييه فور والنائب في حزب البيئة، يانيك جادوت، أن الجبهة الشعبية الجديدة لليسار يجب أن تقترح "هذا الأسبوع" تشكيل "حكومة جديدة" لإيمانويل ماكرون بالإضافة إلى اسم رئيس الوزراء المستقبلي، داعين إلى "الإجماع" فإن قوى اليسار منقسمة على نفسها أكثر من أي وقت مضى.

واعتبر أوليفييه فور أنه لا ينبغي أن نعطي "الشعور بأننا غير قادرين على تشكيل الحكومة"، وأكد أن الاختيار سيتم "هذا الأسبوع"، "إما بالإجماع، أو سيكون هناك بالضرورة تصويت"، بين التشكيلات المختلفة للجبهة الشعبية الجديدة.

ومن المفاجآت الكبرى الأخرى؛ حصول المعسكر الرئاسي الذي يتزعمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يضم ما بين 150 إلى 180 نائبًا. وحصول حزب التجمع الوطني على مقاعد جديدة على مستوى تاريخي، مع 120 إلى 152 نائبًا، مقارنة بـ 89 في يونيو/حزيران 2022.

وقال فور: "نحن بحاجة إلى الديمقراطية" داخل التحالف، حتى تتمكن الأحزاب اليسارية من "المضي قدمًا معًا"، مضيفًا في إشارة إلى زعيم اليسار المتطرف:" لا توجد كلمات خارجية من شأنها أن تفرض نفسها علينا".

بدورها، قالت مارين تونديلير، الأمين العام لحزب البيئة لمحطة "فرانس إنتر" إنها لا تستبعد شخصية من المجتمع المدني كرئيسة للوزراء، كما دعت إلى "الاعتراف" بالنتائج، موضحة أن الجبهة الشعبية الجديدة يجب عليها أيضًا "إظهار الكثير من التواضع، لأن الجبهة الشعبية الجديدة تعرف لمن تدين بهذه التقدم القصير".

وأعلنت أن المناقشات داخل ائتلاف اليسار، التي بدأت مساء الأحد، ستستمر: "لقد رأينا بعضنا البعض بالفعل مرتين الليلة الماضية ونرى بعضنا البعض مرة أخرى اليوم للعودة إلى العمل.

واعتبرت أيضًا أن جان لوك ميلانشون، المرشح الرئاسي السابق، "غير مؤهل إطلاقًا" لتولي منصب رئيس الوزراء.

بدوره، دعا رافائيل غلوكسمان، قادة اليسار إلى "التصرف مثل البالغين".

من جهته، يرى منسق حزب فرنسا المتمردة مانويل بومبارد أن اختيار رئيس الوزراء يمكن أن يتم "بالتوافق" وليس بالضرورة عن طريق التصويت داخل الجبهة الشعبية الجديدة. 

وأضاف: "اليوم، هناك اجتماعات بين قادة المجموعات السياسية المختلفة في تحالفنا. وغدًا في الجمعية الوطنية ستُشَكَّل المجموعات المختلفة. وقال: "علينا أن نأخذ الأمور خطوة بخطوة".

من جهتها، دعت النائبة في حزب البيئة ساندرين روسو، إيمانويل ماكرون إلى أن يطلب من ائتلاف اليسار اقتراح اسم"، وقالت: "وهو ما سنفعله خلال الأسبوع".

وأوضحت: "علينا أن نقبل هذه المرة، إنه وقت الائتلاف، وقت النقاش بيننا (...)، وهو وقت مهم لترسيخ الديمقراطية خلفنا".