وكالة تسنيم عن مصادر: الحفاظ على سرية المفاوضات مع واشنطن سلوك ضروري لضمان الأمن القومي
أثار اقتراح الرئيس إيمانويل ماكرون بشأن استعداده لبدء مناقشات بشأن قدرات "الردع النووي" من أجل أوروبا، والذي من شأنه أن يغير بشكل عميق عقيدة الدفاع الفرنسية، انقساماً في الأوساط السياسية.
وقالت قناة "BFM" إنه بعد 3 أيام من اللقاء الذي جمع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي والأمريكي دونالد ترامب، وانتهى بفشل ذريع، وغداة اجتماع في لندن، أثار مقترح ماكرون بشأن فتح النقاش حول الردع النووي الأوروبي جدلاً واسعاً".
وفي ردّه على الرئيس، قال رئيس حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف جوردان بارديلا، في مقابلة إذاعية: "نحن نعارض تمامًا مشاركة الردع النووي"، مشددًا على أن "الأمر يتعلق بالسيادة الوطنية".
بدورها، رددت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، الكلام ذاته، على هامش زيارتها للمعرض الزراعي في باريس، معتبرة أن "الردع النووي الفرنسي يجب أن يظل فرنسياً"، على حد تعبيرها.
من جانبه، تبنى رئيس حزب "الجمهوريين" اليميني لوران فوكييه النائب عن إقليم "أوت - لوار" الموقف ذاته، قائلاً في مقابلة إذاعية إن "الردع النووي لا يُشارك".
وأمام التقارب اللافت بين الولايات المتحدة وروسيا في ظل محاولات التوصل إلى اتفاق سلام بين كييف وموسكو، أعاد ماكرون إحياء النقاش حول فكرة حساسة للغاية تتعلق بـ"المظلة النووية الأوروبية"، يوم الجمعة، خلال زيارته إلى البرتغال.
الرئيس الفرنسي أوضح موقفه مجددًا، السبت، في حديثه مع صحيفة "لو باريزيان"، مشيرًا إلى "حوار استراتيجي" مع الدول الأوروبية التي لا تمتلك السلاح النووي، والتي قد تتوقف عن الاعتماد على الردع الأمريكي.
واعتبر أن ذلك "سيجعل فرنسا أقوى"، مبررًا موقفه بالقول: "اليوم، الصواريخ الروسية المنتشرة في بيلاروسيا تُعرّضنا للخطر".
وفي القارة الأوروبية، تُعد باريس ولندن العاصمتين الوحيدتين اللتين تمتلكان السلاح النووي.
ويهدف هذا المقترح، الذي طرحه ماكرون للمرة الأولى عام 2020، إلى مواجهة احتمال تراجع الضمانات الأمنية الأمريكية في أوروبا، تماشياً مع خطاب نائب الرئيس الأمريكي، جي دي فانس، في مؤتمر ميونيخ منتصف فبراير.
لكنّ تصريحات الرئيس الفرنسي تعد تغييًرا كاملاً للعقيدة التقليدية للردع النووي في فرنسا، والتي تقوم منذ نشأتها على الاستقلال التام، وتعتمد على تقدير رئيس الجمهورية وحده للتهديدات التي تمس المصالح الحيوية للبلاد.
وإدراكًا منه لجذرية هذا التغيير، حاول وزير الجيوش الفرنسي، سيباستيان لوكورنو، طمأنة الرأي العام عبر منصة "إكس".
وأكد أن السلاح النووي "سيظل" فرنسيًا، من مرحلة التصميم والإنتاج، وحتى اتخاذ القرار باستخدامه من قبل رئيس الجمهورية، لكنه مع ذلك، شدد على أن "مصالحنا الحيوية تحمل بُعدًا أوروبيًا".
وفي أوساط اليسار، لقيت حجج الرئيس الفرنسي صدى إيجابيًا، إذ قال أوليفييه فور، السكرتير الأول للحزب الاشتراكي، في مقابلة إذاعية: "أنا أتفق تمامًا مع ما طرحه رئيس الجمهورية. لا أعارضه بشكل غريزي لمجرد أنني في صفوف المعارضة".
أما النائب الأوروبي الديمقراطي الاجتماعي رافائيل جلوكسمان، فقد دعم الطرح ذاته على قناة "فرانس 2".
وأكد أن "فرنسا لديها دور هائل لتلعبه، لأنها الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تمتلك السلاح النووي، ولأن لديها صناعة دفاعية قوية".
لكن هذه المواقف لم تقنع زعيم اليسار جان لوك ميلانشون. فدون أن يعبّر بشكل مباشر عن موقفه من السلاح النووي، رأى زعيم حزب "فرنسا الأبية" أنه يجب "التصدي" لمشروع "أوروبا الدفاعية"، مندّدًا في منشور على مدونته بما وصفه بـ"التبعية الأطلسية" للأوروبيين.
ويواجه سيناريو الردع النووي الأوروبي العديد من العقبات، أولها استقلالية القرار التي تؤكد عليها فرنسا في هذا المجال.
وأقرّ إيمانويل ماكرون نفسه، خلال زيارته إلى البرتغال، الجمعة، بأن "العقيدة النووية تظل غامضة إلى حد ما، لأن الغموض جزء من فاعليتها".
وأضاف: "لن تعلن فرنسا مسبقًا عن الأماكن التي قد تستهدفها، فهذا من صلاحيات القائد الأعلى للقوات المسلحة"، أي رئيس الجمهورية.
ومع ذلك، أوضح ماكرون في تصريح لصحيفة "لو فيغارو"، الأحد، أن "الجنرال ديغول وسائر الرؤساء السابقين أكدوا دائمًا أن المصالح الحيوية لفرنسا تحمل بُعدًا أوروبيًا".
وشدد على أن "الدول الأوروبية التي ترغب في تعميق الحوار معنا يمكنها، عند الاقتضاء، المشاركة في تدريبات قوات الردع".
وبعد اجتماع عُقد، الأحد، في لندن، جمع نحو 15 قائدًا أوروبيًا إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، من المقرر أن يجتمع قادة دول الاتحاد الأوروبي، الخميس المقبل، في بروكسل لعقد قمة مخصصة لمسألة الدفاع.
وأعلن المستشار الألماني المستقبلي فريدريش ميرتس تأييده للمقترح الذي طرحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.