قال محللون سياسيون فرنسيون إن نجاة حكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو من تصويت البرلمان لسحب الثقة واستمرار حكومته يعود إلى عوامل سياسية واستراتيجية معقدة.
وقال الباحث في معهد الدراسات السياسية في باريس جان بيير ديروا لـ"إرم نيوز"، إن "الخلافات داخل المعارضة لعبت دورًا رئيسيًا في إفشال محاولة إسقاط الحكومة، وخاصة عدم وجود إجماع بين أحزاب اليسار والتجمع الوطني، جعلت مذكرة سحب الثقة تفقد فعاليتها قبل التصويت عليها".
وأضاف أن "الحزب الاشتراكي أراد تسجيل موقف سياسي أكثر من كونه يسعى فعليًا لإسقاط الحكومة، خاصة أن التوازنات البرلمانية لم تكن في صالحه منذ البداية."
من جانبه، رأى المحلل السياسي في مركز الأبحاث السياسية في جامعة باريس 1" فرانسوا بورجوا، أن "حزب التجمع الوطني استغل الموقف بذكاء سياسي، حيث رفض التصويت لصالح المذكرة، مما سمح له بتقديم نفسه كطرف مسؤول أمام الناخبين المحافظين، بدلاً من الظهور كحليف غير مباشر لليسار".
وأضاف بورجوا في حديث لـ "إرم نيوز"، أن "حكومة بايرو لم تكن بالضرورة قوية بما يكفي، لكنها استفادت من انقسامات خصومها، وهذا كان كافيًا لإبقائها في السلطة."
الحزب الاشتراكي يحاول إسقاط الحكومة... ولكن دون جدوى
وتقدم الحزب الاشتراكي الفرنسي بمذكرة لحجب الثقة عن حكومة فرانسوا بايرو بعد رفض الاشتراكيين سابقًا التصويت لصالح مذكرات حجب الثقة التي طرحتها أحزاب اليسار خلال مناقشة الميزانية، إلا أنهم قرروا هذه المرة اتخاذ خطوة تصعيدية احتجاجًا على ما وصفوه بأنه "تنازلات ثقافية" لصالح اليمين المتطرف من قبل حكومة بايرو.
ويعتبر النص المقدم استجابة للخطاب السياسي المتطرف، حيث يتهم رئيس الوزراء باعتماد "لغة خطيرة" على غرار جان ماري لوبان فيما يتعلق بقضايا الهجرة، وفقًا لبيان الحزب الاشتراكي.
وقال بوريس فالو، رئيس الكتلة الاشتراكية في الجمعية الوطنية، إن المذكرة تهدف إلى "التأكيد على أن سيادة القانون ليست محل تفاوض"، حتى لو كانت هناك خلافات حول الملفات الاقتصادية والميزانية.
غياب الدعم الكافي: أكثر من 100 صوت مفقود
رغم الجدل الذي أثارته المذكرة، كان فشلها أمرًا متوقعًا منذ البداية، إذ قرر حزب التجمع الوطني وحلفاؤه عدم التصويت لصالحها.
وصرّح توماس ميناجيه، المتحدث باسم الكتلة البرلمانية للتجمع الوطني: "لن نصوّت لصالح المذكرة لأن الحزب الاشتراكي قدمها فقط لمعارضة التصريحات الصريحة والصحيحة لرئيس الوزراء، حتى لو لم تكن كافية.”
ومن الناحية الحسابية، فإن أحزاب اليسار الأربعة تمتلك معًا حوالي 190 صوتًا، وهو عدد بعيد جدًا عن 289 صوتًا المطلوبة لإسقاط الحكومة. وبالتالي، لم يكن هناك أي احتمال منطقي لنجاح التصويت.
انتقادات من الداخل: "مذكرة بلا تأثير”
ولم يقتصر الجدل على الفشل المتوقع للمذكرة، بل تعرضت أيضًا لانتقادات حادة من بعض حلفاء الحزب الاشتراكي داخل اليسار. فعلى سبيل المثال، سخر حزب فرنسا الأبية (يسار متطرف) من الخطوة، معتبرًا أنها مجرد "مناورة شكلية" بلا أثر فعلي.
وقالت ماتيلد بانو، رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب فرنسا الأبية، خلال مؤتمر صحفي:" الاشتراكيون اخترعوا أداة جديدة: مذكرة حجب ثقة لا تهدف إلى إسقاط الحكومة فعليًا!".
من جهته، انتقد ستيفان بو، النائب عن الحزب الشيوعي، محتوى المذكرة ووصفها بأنها "مذكرة رقابة خالية من الجوهر"، مضيفًا أن المعركة ضد اليمين المتطرف تتطلب استراتيجية أقوى من مجرد بيان سياسي عام.
استعراض سياسي
أمام هذا السيل من الانتقادات، حاول الحزب الاشتراكي تبرير موقفه، مؤكداً أن المذكرة لم تكن مناورة سياسية، بل كانت وسيلة لتوضيح موقفه كمعارضة واضحة لحكومة بايرو دون التماهي الكامل مع باقي أحزاب اليسار.
ومن جهته، لم يبدِ المعسكر الرئاسي أي قلق حيال المذكرة، ووصفها بأنها "مضيعة للوقت". وقال النائب بيير ألكسندر أنجلاد، من حزب "معًا من أجل الجمهورية"، إن "ما يحدث الآن مجرد استعراض سياسي، بينما كان من الأفضل استغلال الوقت لمناقشة قضايا أكثر أهمية، مثل الدور الأوروبي في الحرب الأوكرانية" وفق تعبيره.