حزب نائب رئيس جنوب السودان: وزير الدفاع ورئيس الأمن الوطني اقتحما مقر إقامة رياك مشار
تُعتبر مايوت مثالًا واضحًا على تعقيدات الإرث الاستعماري الأوروبي والتحديات المرتبطة بإدارة العلاقات الإقليمية. وبينما تواصل فرنسا تعزيز سيادتها على الجزيرة، يبقى النزاع مع جزر القمر نقطة توتر رئيسية تتطلب مقاربة دبلوماسية متوازنة.
وعند ذكر مايوت، الإقليم الفرنسي رقم 101، نادرًا ما يكون الحديث إيجابيًا. غالبًا ما ترتبط الأخبار بالكوارث الطبيعية أو الأزمات الاجتماعية، مثل عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين خلال عملية "وامبوشو" عام 2023، أو الكوارث الناتجة عن الأعاصير، مثل إعصار "تشيدو" في 14 كانون الأول/ديسمبر، الذي يُحتمل أنه أودى بحياة الآلاف.
جاء ذلك بعد أن تعرضت مايوت مجددًا لمأساة جديدة بعد اجتياح إعصار "تشيدو"، إذ لا تزال حصيلة الضحايا غير واضحة، لكنها قد تصل إلى آلاف الأرواح.
برونو كورتريه، خبير العلاقات الدولية والسياسات الاستعمارية، أوضح أن التنافس بين فرنسا وبريطانيا في القرن التاسع عشر حول مناطق النفوذ في المحيط الهندي كان يعكس السياسة الإمبريالية لكلتا الدولتين.
وأضاف كورتريه لـ"إرم نيوز" أن "فرنسا اعتبرت مايوت نقطة إستراتيجية لتعزيز وجودها البحري في المحيط الهندي، خاصة بعد خسارتها مستعمرات في مناطق أخرى".
وأوضح أن فرنسا لم تكتف بالسيطرة على مايوت كجزء من أرخبيل جزر القمر، بل سعت إلى دمجها كجزء من أراضيها لتعزيز نفوذها الإقليمي، وهو ما أدى إلى تعقيدات دبلوماسية مع جزر القمر بعد الاستقلال.
ومن الناحية الاقتصادية، يرى جان بارثيلمي، الخبير الاقتصادي والمتخصص في التنمية الإقليمية، أن الفجوة الاقتصادية بين مايوت وبقية الأراضي الفرنسية ما زالت كبيرة، على الرغم من الاستثمارات الكبيرة التي تضخها الحكومة الفرنسية في الجزيرة.
وأشار بارثيلمي لـ"إرم نيوز" إلى أن "الدعم الفرنسي لمايوت يُنظر إليه كوسيلة لتعزيز الانفصال عن الأرخبيل الأصلي".
وأضاف أن التوتر بين فرنسا وبريطانيا في القرن التاسع عشر بشأن مايوت كان مدفوعًا بالمصالح الاقتصادية والتجارية، إذ أراد البريطانيون تأمين طرقهم البحرية نحو الهند، بينما ركز الفرنسيون على تعزيز وجودهم في شرق أفريقيا.
وخلال زيارة رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون للجزيرة في 19 كانون الأول/ديسمبر، صرّح: "أنتم سعداء بكونكم جزءًا من فرنسا، لأنه لو لم تكن مايوت فرنسية، لكنتم في وضع أسوأ بعشرة آلاف مرة. لا يوجد مكان آخر في المحيط الهندي يقدم هذا القدر من المساعدات للناس".
تقع مايوت شمال غرب مدغشقر، جنوب أرخبيل جزر القمر. تُعرف محليًا باسم "ماوري"، وتتألف من جزيرتين رئيسيتين (جراند تير وبتيت تير) وعدة جزر صغيرة، بمساحة إجمالية تبلغ 374 كيلومترًا مربعًا.
وفي القرن الخامس عشر، ظهرت مايوت على خريطة المستكشفين الأوروبيين كجزء من رحلاتهم عبر المحيطات، حيث كانت نقطة توقف إستراتيجية على طريق الهند.
بحسب المؤرخ جان ميشيل دوجيه، أصبحت مايوت تحت السيطرة الفرنسية العام 1841، بعد توقيع السلطان أندريان تسولي اتفاقية للتنازل عن الجزيرة. في ذلك الوقت، كانت فرنسا تسعى لتوسيع نفوذها في المحيط الهندي لمواجهة الإمبراطورية البريطانية.
وقال دوجيه: "كانت مايوت عنصرًا إستراتيجيًا في شبكة القواعد البحرية الفرنسية، ما جعلها محور اهتمام خاص في سياق التنافس مع البريطانيين".
بحلول العام 1974، عندما صوت سكان أرخبيل جزر القمر للاستقلال، اختارت مايوت البقاء تحت السيادة الفرنسية.
ويرى المحلل السياسي تييري حريجوار أن هذا القرار كان مدفوعًا بالضمانات الاقتصادية والاجتماعية التي قدمتها فرنسا لسكان الجزيرة.
وأوضح حريجوار لـ"إرم نيوز" أن "التحديات الاقتصادية، مثل التعليم والرعاية الصحية، دفعت سكان مايوت إلى تفضيل البقاء مع فرنسا بدلاً من الانضمام لجزر القمر المستقلة حديثًا".
على الجانب الآخر، تستمر جزر القمر بالمطالبة بسيادتها على مايوت، معتبرة الجزيرة جزءًا لا يتجزأ من أراضيها.
لوران بونيفاس، خبير العلاقات الدولية، يرى أن هذا النزاع ناتج عن الإرث الاستعماري وغياب حلول شاملة للاندماج الإقليمي.
وأضاف حريجوار أن "فرنسا تواجه معضلة تتمثل في دعم حقوق سكان مايوت الذين يرغبون في البقاء فرنسيين، مع التعامل في الوقت ذاته مع الانتقادات الدولية بشأن سيادتها على الجزيرة".