الكرملين "راض" عن الحوار مع واشنطن ويؤكد أن الاتصالات "المكثّفة" مستمرة
العالم دون استثناء كان بانتظار وصول دونالد ترامب لسدة الرئاسة في أمريكا.. فمع وصوله تغيرت وستتغير المعطيات، في غزة ولبنان وسوريا، في الشرق الأوسط وأوروبا، في الحرب الروسية الأوكرانية وصراعات العالم ككل.. لكن ماذا عن خريطة أمريكا؟ فهل ستشهد اتساعًا؟ وهل تنقض واشنطن على المواقع التي ألمح ترامب لرغبته بضمها؟
"دولة وجزيرة وممر مائي"، هذا ما يريد ترامب ضمه لأمريكا في ولايته القادمة ضمن إطار أطماعه التوسعية.. فما هذه الأماكن وماذا تحمل من أهمية جغرافية واقتصادية، وكيف لمواقعها أن تشكل محور نفوذ للسياسة الأمريكية مستقبلًا؟
كندا "الولاية 51" في أمريكا؟
ينظر ترامب إلى عديد من القضايا الدولية من منطلق البائع والشاري ويتعامل بمنطق العقارات والصفقات، حتى وإن تعلق الأمر بالدول المستقلة ذات السيادة، فشراء كندا التي تقارب مساحتها الـ 10 مليون كم مربع لا يتعدى لديه حاجز التجارة لكن بلغة المصلحة السياسية، والحديث هنا عن ثاني أكبر شريك اقتصادي لأمريكا.
بلغة الأرقام، فقد بلغ العجز التجاري مع كندا حوالي 55 مليار دولار أمريكي العام الماضي، وهو رقم أقل بكثر مما تعانيه أمريكا من اختلالات تجارية مع كثير من الدول كالمكسيك وألمانيا واليابان، حتى أنها تعاني اختلالًا في ميزان اقتصادها مع الصين، وهو أعلى بـ 5 أضعاف تقريبًا من رقم كندا، ويصل إلى أكثر من 270 مليار دولار.
كندا التي يصف ترامب الحدود الشمالية معها بأنها مصطنعة، سيبدأ حربه الاقتصادية ضدها بفرض الرسوم الجمركية على الواردت الكندية بنسبة 25% كأولى أسلحة الإقناع، بينما سيعني نجاحه بضمها حكمًا لترامب على ما نسبته 13% تقريبًا من مساحة الأرض، واقتصادًا مرعبًا سيحكم العالم.
غرينلاند.. حلم ترامب القديم وحلقة وصل أوروبا بأمريكا الشمالية
موقع استراتيجي خاصة عسكريًا لأمريكا، وموارد عظيمة وحلقة وصل بين قارتين، هذه باختصار ميزات غرينلاند، حلم ترامب الذي تحدث عنه قبل سنوات في ولايته السابقة.
هي موطن لقاعدة pituffick بيتوفيك الفضائية، آخر قاعدة عسكرية أمريكية قبل الدائرة القطبية الشمالية، حيث يسعى ترامب لتعزيز نفوذه عسكريًا هناك، وزرع رادارات لمراقبة المياه بين الجزيرة وآيسلندا وبريطانيا، فالمياه هناك تعد مساحة خصبة لغواصات البحرية الروسية، وتضع أي خطر روسي عبر الصواريخ الباليستية في مرمى النيران الأمريكية.
تتموضع أكبر جزيرة في العالم على أقصر طريق من أوروبا إلى أمريكا الشمالية، وتغفو فوق ثروات وكنوز كبيرة، من نفط وذهب وزنك، وإمدادات هائلة من الغاز الطبيعي، وغير هذا من المعادن النادرة التي تدخل في الصناعات الدفاعية، والتي إذا ما صدقت إحصائيات المسح الجيولوجي لها، فإنها تحوي ما مجموعه 38 مادة خام جاهزة للاستخراج، فضلًا عن غناها السمكي الهائل، حيث يمثل صيد الأسماك عصب اقتصاد الجزيرة ويشكل أكثر من 90% من صادراتها.
غرينلاند محطة تنافس بين الولايات المتحدة روسيا والصين، وتعتبر الأخيرة زعيمة توريد المعادن الحيوية عالميًا، حيث تمثل نحو 60% من إنتاج العالم من المعادن والمواد النادرة؛ ما يجعل إزاحتها أو تهديد منتوجها الضخم، هدف أمريكي خالص.
عصفوران بحجر.. قناة بنما لطرد الصين وتمكين عصب التجارة الأمريكية
قناة بنما التي يعدها كثيرون ثاني أهم ممر مائي صنعه الإنسان بعد قناة السويس، وإحدى عجائب القرن العشرين، بطول 77 كم وعرض 150 مترًا تقريبًا، قصتها تعود لمشروع تبناه الرئيس الأمريكي الأسبق ثيودور روزفلت سنة 1903 حينما أرادت البحرية الأمريكية تأمين وسيلة لنقل أسطولها بين المحيطين الأطلسي والهادئ دون الحاجة للالتفاف حول أمريكا اللاتينية، افتُتحت العام 1940، قبل أن تسلم أمريكا القناة لبنما العام 1977 بموجب معاهدتي توريخوس-كارتر بين البلدين، في قرار وصفه ترامب بالغبي.
حجة ترامب هذه المرة تشبه ذريعة كندا، رسوم جمركية عالية تفرضها بنما على السفن الأمريكية المارة هناك، رغم أن تقارير صحيفة ومنها ما جاء في مجلة ذا إيكونومست تؤكد بأنه عادة ما تدفع السفينة الأمريكية أقل من 400 ألف دولار للعبور، وهو رقم متواضع لسفينة تحمل بضائع بملايين الدولارات وفق رأي المختصين.
خلال السنوات الأخيرة، مر نحو 5% من التجارة البحرية العالمية عبر القناة التي تديرها وكالة بنمية مستقلة عن الحكومة وتوفر 2.5 مليار دولار من الإيرادات السنوية للحكومة، وإن سيطرة أمريكا على قناة بنما يعني مرور سفنها مجانًا، وهي تعتبر أكبر مستخدم لها عالميًا.
تستقبل القناة أكثر من 14 ألف سفينة سنويًا، في مقدمتها السفن الأمريكية والصينية واليابانية بقيمة بضائع تتجاوز قيمتها 270 مليار دولار أمريكي، وتمثل السفن الأمريكية نحو 73% من حركة القناة.
النفوذ الصيني، أحد أهم أسباب انقضاض ترامب على القناة مسبقًا، وفق تقرير موقع بوليتيكو الأمريكي. ورغم أن الصين لا تسيطر على قناة بنما ولا تديرها، إلا أن شركة تابعة لشركة "سي كيه هاتشيسون" القابضة، ومقرها هونغ كونغ، كانت تدير منذ فترة طويلة ميناءين يقعان على مدخلي القناة في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ، وربما تكون تصريحات ترامب استباقية، لمحاولة ثني الصين عن أي توسع مخطط له في أمريكا اللاتينية.
من ينصب نفسه اليوم شرطيًا على العالم، قد يخرق بنفسه إشارات مرور دول ذات سيادة، وإذا كانت الصين تطالب بتايوان، وروسيا تعتبر أوكرانيا جزءًا منها، فقد تبدو فكرة ضم دولة أو جزيرة أو السيطرة على ممر مائي من وجهة نظر ترامب، أمرًا بالمتناول.