الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات نسف لمبان في الأحياء الشمالية لمدينة رفح
يحتفل ملايين الأكراد في جميع أنحاء العالم، اليوم الجمعة، بعيد "نوروز" الذي يكتسب خصوصية تاريخية وقومية ووجودية عندهم، تميزه عن احتفال شعوب ودول أخرى بالعيد ذاته بوصفه يومًا لبدء الربيع، ورأس السنة الكردية 2637, ونهاية لعصر الظلام، حسب الأساطير الكردية.
ويتركز وجود الشعب الكردي، في أربع دول بشكل رئيس، هي تركيا وإيران والعراق وسوريا، والتي تشهد احتفالات واسعة بعيد نوروز الذي يصادف يوم 21 مارس/ آذار من كل عام.
ويحرص عدد كبير من الأكراد المقيمين خارج تلك الدول الأربع، سيما المهاجرين منهم في أوروبا، على تنظيم احتفالات مماثلة بنوروز في المدن التي يقيمون فيها، وبالطابع الثقافي والقومي الكردي ذاته.
وبجانب تلك الاحتفالات الكردية الواسعة، تحتفل العديد من الدول والمجتمعات الأخرى بعيد نوروز، مثل إيران، وأفغانستان، وطاجيكستان، وأذربيجان، وأوزبكستان، وتركمانستان، حيث يعتبر بداية السنة الجديدة وفقًا للتقويم الفارسي.
ويبدو للوهلة الأولى أنه عيد واحد ومتشابه الطقوس عند الكرد وباقي الشعوب الأخرى، لكن سرعان ما يظهر الفرق، حيث تعكس كثير من مظاهر الاحتفال ومكانته والروايات التاريخية التي يرتبط بها لدى كل طرف، فرقًا واضحًا في الدلالة والرمزية.
بينما يشترك المحتفلون جميعًا بارتباط العيد بالنار، حيث توقد المشاعل في مناطق الاحتفال، ويرتدي الناس أزياء تراثية، وتحضر الأطعمة الشعبية، وتقام الفعالية الفنية من رقص وغناء ومسرح.
ويعني مصطلح "نوروز" في اللغتين الفارسية والكردية، "اليوم الجديد"، ويرمز لبدء فصل الربيع وانبعاث الطبيعة بعد شتاء طويل وقارس، لكن ذلك الربيع يأخذ طابعًا رمزيًا في احتفال الأكراد، ويرمز لتحررهم من الاضطهاد والتمييز.
فالنار التي تميز عيد نوروز، ترتبط بأسطورة "كاوا الحداد"، والتي تقول إنه أوقد شعلة كبيرة في أعلى الجبل، ليعلن انتصاره على ملك ظالم، اسمه "ضحاك"، كان يحكم البلاد بقبضة من حديد، ويضطهد الناس بشكل وحشي.
وشكل ذلك الحدث في تلك الأسطورة التاريخية التي يعود تاريخها لما قبل الميلاد، بداية لتحرر قوم كاوا الحداد، وهم من أسلاف الكرد، بعد أن كانوا ضحايا لذلك الملك الظالم الذي كان يقتل أبناءهم، قرابين.
وترتكز احتفالات الأكراد على تلك الأسطورة بشكل رئيس اليوم، على الرغم من تداخلها من دلالة العيد الأخرى، بوصفه يوم بدء الربيع وتجدد الحياة في منطقة تشتهر بتوقف الحياة فيها في فصل الشتاء وثلوجه الكثيفة.
وبدء الطابع الكردي الرمزي لعيد نوروز بالظهور التدريجي بعد الحرب العالمية الأولى، عندما انهارت الدولة العثمانية وتقسمت دول المنطقة، ووجد ملايين الأكراد أنفسهم موزعين بين أربع دول ذات طابع قومي تركي وفارسي وعربي.
وبدء عيد نوروز بالتحول لعيد قومي كردي بالتزامن مع تشديد الدول الأربعة، القيود الثقافية على مواطنيها الأكراد، ومنع حركات التحرر السياسية التي ظهرت في تلك الفترة، وقوبلت بالقمع، ليصبح العيد المتنفس الآمن لهم نسبيًا لإظهار خصوصيتهم.
وتتجلى تلك الخصوصية في ملابس المحتفلين الملونة بالأحمر والأصفر والأخضر، والتي ترمز للهوية الثقافية الكردية، واستمدت منها الحركات السياسية الكردية راياتها.
ويبدو المحتفلون بأزيائهم تلك، سيما النساء، أشبه بأعلام كردية يصعب منع سيرها وتجمعها مثلما تم منع رفع الرايات الكردية من قبل سلطات تلك الدول.
ويتجلى المظهر الرمزي الآخر لنوروز الكردي، في الفعاليات الفنية المصاحبة للعيد، والتي تستمد من الهوية الكردية والدعوة للحفاظ عليها والدفاع عنها، نصوصًا مسرحية وكلمات أغاني وقصائد ودبكات.
كما أسهمت الحوادث المتعاقبة وشبه السنوية، مع احتفالات الكرد بنوروز، في ترسيخ مكانته عيدًا قوميًا مقدسًا، حيث انتهت كثير من المضايقات وحظر الاحتفالات في الدول الأربع، بحوادث دامية، راح ضحيتها محتفلين أبرياء باتوا رموزًا كردية.
ومن اللافت أن عيد نوروز، حافظ على مكانته لدى كل الشعوب التي تحتفل به، حتى بعد انتشار الإسلام في جميع تلك الدول، وانخراط السكان في بوتقة الديانة الجديدة، إذ لم تكن تلك الاحتفالات الشعبية، أكثر من تمجيد الطبيعة وتغير فصولها.
لكن شكوى الأكراد من عدم المساواة والتهميش وعدم الاعتراف بهويتهم في الدول الأربعة، قاد نوروز لديهم، ليكون عيدًا يستندون عليه في إظهار خصوصيتهم، معتمدين على مكانته التاريخية العابرة للدول والممالك والديانات.