كشفت جائحة كوفيد-19 عن انتشار واسع للمعلومات المغلوطة حول العديد من المواضيع، وعلى رأسها العلوم والصحة. ومنذ ذلك الحين، استمر تدفق المعلومات بشكل مفرط، مما ترك العديد من الأشخاص في حالة من الارتباك بسبب الكم الكبير من النصائح الصحية المتناقضة.
وبحسب تقرير نشره موقع ”ذا كونفيرسيشن“، غالبًا ما تبدو آراء الخبراء متناقضة أيضًا. ويزداد هذا الارتباك نتيجة للتحريف المتعمد لنتائج الأبحاث بهدف دعم أجندات محددة.
وعلى سبيل المثال، يتم استخدام فوسفات الصوديوم الثلاثي، وهو مضاف شائع في الكعك والبسكويت لتحسين الملمس ومنع التلف، بشكل غير دقيق من قبل مؤثري الصحة، الذين يستغلون التشابه في الاسم مع مادة تُستخدم في الطلاء ومنتجات التنظيف، لزعم أنها تشكل مخاطر صحية.
وتنتشر مثل هذه الادعاءات بسرعة، مما يؤدي إلى تقويض الثقة العامة في الأبحاث العلمية الموثوقة والنصائح الطبية، في حين تسهم وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز انتشار الآراء الزائفة.
وغالبًا ما تكون نتائج الأبحاث في مجال التغذية غير حاسمة، نظرًا لأن النظام الغذائي يعد أحد العوامل العديدة التي تؤثر في الصحة. ومع ذلك، تبقى الجاذبية المرتبطة باستخدام الطعام والمكملات كحلول شاملة قوية.
وفقًا لخبراء في التعليم الطبي والتواصل العلمي، فإن التصدي لهذه الأكاذيب يتطلب التركيز على علوم الوقاية من الأمراض. فقد أسفرت سنوات من البحث عن ممارسات صحية قائمة على الأدلة التي تعزز الصحة العالمية، ويمكن مقارنة الادعاءات الصحية الشعبية مع هذه المعايير لتحديد ما إذا كانت تستند إلى العلم أم لا.
تعقيدات علم التغذية
من الشائع العثور على ادعاءات متضاربة بشأن الأطعمة والمشروبات، إذ تتفاوت آثارها الصحية بناءً على عوامل مثل الكمية المستهلكة والتركيب الجيني للفرد.
كمثال على ذلك، أظهرت الدراسات حول القهوة فوائد صحية ومخاطر صحية في نفس الوقت، وغالبًا ما تستند المعلومات المتضاربة إلى دراسة واحدة فقط.
بالمثل، يتم الترويج للمكملات الغذائية مثل خل التفاح بشكل مفرط بفوائد مبالغ فيها لعلاج مشاكل صحية تتراوح من مشاكل الهضم إلى إدارة الوزن. وعلى الرغم من أن بعض الدراسات تشير إلى أن خل التفاح قد يقدم بعض الفوائد الصحية، إلا أن هذه الدراسات غالبًا ما تكون محدودة في حجم العينة وتفتقر إلى الأدلة الحاسمة.
وأشار التقرير إلى قاعدة أساسية، وهي أن الحيل الصحية التي تعد بحلول سريعة نادرًا ما تكون موثوقة. وحتى عندما تقدم المكملات فوائد في ظروف معينة، من المهم أن نتذكر أنها غير خاضعة لتنظيم إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، مما يتيح مجالًا لتفاوت جودة المكونات والمخاطر الصحية المحتملة، مثل التسمم الكبدي.
وبالنظر إلى أن صناعة المكملات الغذائية تقدر قيمتها السنوية بأكثر من 150 مليار دولار، فإن الحوافز المالية وراء الترويج لهذه المنتجات قد تؤدي إلى نشر معلومات مغلوطة.
تحريف الحقائق المتعلقة بالتغذية
تعد التغذية الجيدة أساسية للحفاظ على الصحة. وقد أظهرت الأبحاث باستمرار أن النظام الغذائي المتوازن الغني بالعناصر الغذائية الأساسية يمكن أن يساعد في الوقاية من الأمراض المزمنة وتعزيز الرفاهية العامة.
وتدعم المعادن، مثل الكالسيوم والحديد، صحة العظام ودوران الأوكسجين في الدم، بينما تساعد البروتينات في إصلاح العضلات ونموها. أما الدهون الصحية، مثل تلك الموجودة في الأفوكادو والمكسرات، فهي ضرورية لصحة الدماغ.
ومع ذلك، غالبًا ما تقوم الادعاءات الزائفة بتشويه هذه الحقائق الأساسية للترويج لأنظمة غذائية أو مكملات غذائية على أنها علاج للأمراض. فبينما يدعم فيتامين C الجهاز المناعي وقد يساعد في تقليل شدة نزلات البرد، إلا أن تناول جرعات كبيرة منه لا يمنع الإصابة بالبرد.
وتستغل بعض الشركات مثل هذه المعلومات لتدعي زيفًا أن مكملاتهم يمكن أن تعالج الأمراض أو تحسن وظائف الدماغ، وغالبًا دون أي دعم علمي. كما أن بعض الشركات تقلل من المخاطر، كما هو الحال في الترويج للحليب الخام مقارنة بالحليب المبستر. فالحليب غير المبستر يمكن أن يحتوي على بكتيريا ضارة، مما يشكل مخاطر صحية خطيرة، بما في ذلك الأمراض المهددة للحياة مثل إنفلونزا الطيور.
وتتمثل العواقب الوخيمة لهذه الأساطير في أنها قد تؤدي إلى إهمال الجوانب الأخرى من الصحة، مثل الفحوصات الطبية المنتظمة والتطعيمات المنقذة للحياة. على سبيل المثال، قد يستبدل مرضى السرطان العلاجات المثبتة علميًا مثل العلاج الكيميائي أو الإشعاعي ببرامج غذائية غير مثبتة ومضللة.
كيفية التعرف على الادعاءات الزائفة في التغذية
تستفيد العلوم الزائفة من استغلال القلق العاطفي، والاستفادة من الرغبة في التحكم في الصحة الشخصية. وتستخدم العديد من الادعاءات الزائفة مصطلحات علمية مثل "الأدابتوجينات" أو "الأطعمة الخارقة"، التي تبدو مقنعة لكنها في الواقع تفتقر إلى معنى علمي حقيقي. إذ تُعد هذه المصطلحات أدوات تسويقية تهدف بشكل أساسي إلى ترويج وبيع المنتجات.
لتفريق المعلومات الموثوقة عن الادعاءات الزائفة، أشار التقرير إلى مجموعة من الخطوات التي يمكن اتباعها. أولاً، يجب مراقبة ردود الفعل العاطفية؛ فالمشاعر القوية مثل الخوف أو الغضب قد تشير إلى أن المعلومات قد تكون مضللة.
ثانيًا، من المهم تقييم مصداقية المؤلف، حيث إن الخبراء في المجال الأكثر قدرة على تقديم معلومات دقيقة وموثوقة. وأخيرًا، ينبغي التحقق من وجود مراجع تدعم الادعاءات؛ ففي حال غياب الأدلة العلمية القوية، قد يكون من الأفضل البحث عن مصادر أخرى للتأكد من صحة المعلومات.