الحوثيون: استهدفنا مطار "بن غوريون" بصاروخ باليستي وأصاب هدفه بنجاح
تعتمد إيران في تعاملها مع الإدارة السورية الجديدة، خطابين متناقضين، أحدهما مهادن يحمل اعترافا مبطنا بالواقع الجديد، وآخر يبدو عاجزا عن استيعاب الخسارة الإستراتيجية التي مُنيت بها في سوريا، فيطلق التهديد والوعيد للسلطات الجديدة في دمشق.
على المستوى السياسي، تتلاقى تصريحات المسؤولين في الخارجية الإيرانية على بث رسائل تهدئة تجاه الحكم الجديد في دمشق، وآخرها تصريح وزير الخارجية عباس عراقجي بأن بلاده مهتمة بتشكيل حكومة في سوريا تلبي مصالح الشعب، مؤكداً على أن إيران ستقيم علاقات مع السلطات الجديدة.
في المقلب الآخر، أو ما يمكن تسميته بـ"الدولة العميقة" التي يمثلها الحرس الثوري الإيراني ثمة خطاب تصعيدي، يرسل بانتظام رسائل الوعيد والتهديد، وآخر هذه التصريحات أطلقها القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، حيث قال في خطاب له إن "العوامل التي لا مجال لذكرها الآن جعلت الأعداء يحققون بعض النتائج في سوريا، لكن الوضع لن يبقى على حاله".
تسريبات وسيناريوهات
تترافق هذه التصريحات المتناقضة بين المستويين السياسي والعسكري في إيران، بتسريبات من مصادر مقربة من الإدارة الجديدة في دمشق، ليس مؤكدا إن كانت حقيقية أم مبالغا فيها.
التسريبات التي تنشرها صفحات إعلامية مقربة من السلطة الجديدة، تفيد بأن اجتماعات تجريها إيران في العراق تشمل قادة من الحرس الثوري الإيراني وضباط سوريين أمنيين هربوا إلى العراق بعد سقوط الأسد "تحت حماية وعلم الحكومة العراقية"، للتخطيط للمرحلة القادمة في سوريا، والتي تزعم المصادر أنها تهدف إلى زعزعة الوضع الجديد في سوريا.
وتقول التسريبات المتداولة إن إيران تخطط لإرسال الأسلحة تهريبا من العراق بإشراف الحشد الشعبي العراقي وأيضا من شمال لبنان بواسطة حزب الله إلى الداخل السوري عن طريق البر وعن طريق البحر لتسليح الخلايا النائمة في الساحل السوري.
كما تشمل إرسال أجهزة اتصال متطورة لا تعمل على الشبكات السورية للحيلولة دون كشفها، وإرسال دعم مادي كبير لتلك العناصر.
وتشير إلى تجهيز ميليشيات "زينبيون" و"فاطميون" المدعومة من "الحرس الثوري"، والذين هربوا من سوريا إلى العراق عند سقوط بشار الأسد، وتحضيرهم للعودة بعد تجهيزهم، لإقحامهم في أي معارك قد تندلع بين "فلول النظام" وقوات العمليات العسكرية في سوريا.
التسريبات تروج بأن إيران ستبدأ بصنع بلبلة أمنية بالساحل السوري على يد "فلول النظام" الذين ما زالوا على اتصال مع الضباط الأمنيين التابعين لنظام الأسد، الموجودين بالعراق ومع الحرس الثوري الإيراني، ولكن مع إبعاد الشبهات عن إيران باعتبارها الداعم لهذه البلبلة، وخلط الأوراق، كي لاتقوم الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بضرب إيران والعراق، ونقل المعركة للداخل السوري لتصبح سوريا هي أرض المعركة وليس إيران والعراق.
وبعيدا عن حقيقة هذا "السيناريو" المتداول اليوم، لا يوافق العديد من المراقبين على إمكانية تنفيذه في الساحل السوري، الذي لا يبدو المزاج الشعبي فيه قريبا من إيران وميليشياتها، عدا عن بعد الساحل عن حدود العراق. كما أن أهالي المنطقة كانوا أول من سلموا سلاحهم وأجرى العسكريون منهم تسويات مع الإدارة الجديدة.
السيناريو الأكثر قابلية للتنفيذ إن كان هناك ما يُحضّر، وفقا للمصادر، قد تشهده المناطق الشرقية المحاذية للعراق، ذلك أن نفوذ إيران تركّز طيلة سنوات في تلك المنطقة، حيث جند الحرس الثوري الإيراني ودرب ودعم عشرات الآلاف من أبناء العشائر، الذين هدد الحرس الثوري في أكثر من مرة، منذ سقوط النظام، بأنهم جاهزون للتحرك فور تلقي الأوامر.
خسارة استراتيجية
لكن الكاتب والمحلل اللبناني علي حمادة، قلل من أهمية التهديدات الإيرانية، معتبرا أن إيران خسرت في سوريا ومن الصعب عليها التأثير بشكل كبير.
ويقول حمادة لـ "إرم نيوز"، إن التهديدات أو اللغة المزدوجة التي تعتمدها القيادة الإيرانية ليست جديدة، ولطالما كانت وزارة الخارجية تعتمد خطاباً والذراع الأمنية العسكرية للدولة العميقة أي "الحرس الثوري" تعتمد خطاباً آخر.
ويلفت المحلل اللبناني إلى أن إيران لم تستوعب حتى الآن ما حصل في سوريا، ولم تتمكن حتى هذه اللحظة من هضم هذه الضربة الاستراتيجية التي تلقتها في سوريا، عبر إخراجها منها وإلى حد بعيد من لبنان، وتدمير مبدأ وحدة الساحات الذي كان يقوده الحرس الثوري من خلال مجموعات الفصائل المنتشرة في المنطقة العربية (من العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى فلسطين وصولاً إلى اليمن).
هذا البناء المسمى "وحدة الساحات" جرى تدميره، وفقا لحمادة، وكانت الكلفة عالية على الإيرانيين بالخروج من سوريا بعد أربعين عاماً، فهي "ضربة استراتيجية وتاريخية لكل المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة بصرف النظر عن الرأي بالجهات الحاكمة اليوم في سوريا".
ويرى الكاتب حمادة أن "لدى إيران والحرس الثوري أدوات للعمل والعبث بالساحة السورية، وهذا أمر نعرفه في الشرق السوري وفي مناطق الساحل وحتى في مناطق دمشق وريفها، لأن إيران تجذرت على مدى أربعة عقود مادياً وعسكرياً ومخابراتياً ولديها الآلاف من العيون والعسس في كل سوريا، وهذا أمر متوقع".
خطاب لـ"شد العصب"
العميد السابق في المخابرات الأردنية، والمحاضر في الأمن الإستراتيجي، الدكتور عمر الرداد يعرب عن اعتقاده بوجود موقفين لإيران، ليس تجاه الموقف في سوريا فقط، بل هذا نهج السياسات الإيرانية بشكل عام، فالحرس الثوري بقيادة أو بمرجعيته التي تتبع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية وفيلق القدس يقدم تصريحات متشددة شعبوية تستهدف مخاطبة الداخل الإيراني والحلفاء بمناطق سيطرة إيران (في سوريا أو في العراق أو في اليمن وحتى في لبنان).
وهذا الخطاب، كما يقول الرداد، يتميز بالتشدد ويتميز بمخاطبة العواطف وبمرجعيات إيدولوجية تحاول تكبير وتضخيم قوة إيران وإصدار تهديدات متنوعة ومختلفة تصدر عن قيادات بمستويات مختلفة من الحرس الثوري.
بالمقابل، يقول الخبير الأمني والعسكري الأردني، نجد موقفا لرئاسة الجمهورية، خاصة عندما تكون هذه الرئاسة تنتمي إلى التيار الإصلاحي.
يقول الرداد "في موضوع سوريا، أعتقد أن الطرفين؛ الحرس الثوري ورئاسة الجمهورية يدركان تمام الإدراك أن سوريا لم تعد ساحة تتبع لإيران، وأنهما خسرا المعركة بكل تفاصيلها في سوريا.
ويرى الرداد، أنه بعيدا عن الخطابات التي تستهدف شد عصب "جمهور الممانعة"، وعلى أرض الواقع، لا تملك إيران أدوات حقيقية في سوريا. وهناك مبالغة بخصوص تدريب عشرات الآلاف من العشائر السورية وغيرها.
ليس مسموحا
يرى المحلل والكاتب السياسي علي حمادة أن هناك العديد من الأسباب التي تمنع إيران وتحول دون قدرتها على تنفيذ انقلاب في الواقع السوري أو عودة إلى الساحة السورية، وأولها الأحقاد الكبيرة التي ولدها وجودها في سوريا ودورها في هذا البلد، "هذه الأحقاد عميقة وفيها الكثير من الدماء".
السبب الثاني، وفقا للمحلل السياسي هو أنه "على الصعيد الدولي والإقليمي لم يعد مسموحاً لإيران أن تعود إلى سوريا، لأن إيران بدل أن تكون لاعباً مسؤولاً في الساحة الشرق الأوسطية تبين أنها لعبت دوراً غير مسؤول ومتهور وخطير للغاية، وظهر ذلك في عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر، والتي أدت إلى ما أدت إليه من كوارث".
وبالتالي، يعتقد حمادة أن "عودة إيران إلى ساحة بلاد الشام محظورة، ومن الواضح تماماً أن الإدارة الأمريكية الجديدة تسير على هذا المسار ، بمعنى أن "إيران يجب أن تكون داخل حدودها وأن يقتصر دورها ونشاطها على الداخل وليس على الخارج إلى أن يتحول الحكم في إيران إلى حكم مسؤول وتتغير هذه الإستراتيجية العسكرية الأمنية التي اعتمدت على مدى أربعين سنة".
ويقول الكاتب السياسي أن "ملفات كثيرة على إيران أن تعالجها قبل أن تفكر بالموضوع السوري أو حتى الموضوع اللبناني، ولديها أجوبة يجب أن تقدمها على أسئلة كبيرة يوجهها المجتمع الدولي لها وهو: أولاً؛ البرنامج النووي العسكري، وتفكيكه بشكل واضح، باتفاق أو بغير اتفاق". وثانياً؛ أن تتحول السياسة الخارجية الإيرانية بشكل جذري وتتغير، وهذا الأمر يحتاج إلى رؤية مختلفة في الداخل الإيراني، وحتى الآن ليست هناك من رؤية جديدة ومختلفة، بل هناك مرحلة من يمكن أن نسميها "الحنين للماضي" الذي لن يعود في سوريا.
محاولات بلا تأثير
من جهته، يبيّن الخبير الأمني عمر الرداد أن إيران لم تعد قادرة على القيام بعمليات تسهم بتغيير الوضع الجديد بسوريا، ولكن ربما تستطيع ممارسة بعض العمليات التي ستنفذها تنظيمات وربما أشخاص يتعاونون مع إيران بمن فيهم "داعش" وربما بقايا القاعدة، ارتباطا بعلاقتهم مع إيران تاريخيا منذ عام 2001 بعد سقوط أفغانستان.
لكن الخبير في الأمن الاستراتيجي، لا يعتقد أن أي عمليات ستكون ذات تأثير كبير على الوضع في سوريا، لأن الوضع أصبح اليوم مستقرا حتى بالنسبة لـ"قسد" وبقية التنظيمات.
ويخلص الرداد إلى أن "هناك قناعة وتوافقا لدى كافة المكونات السورية على إنجاح التجربة الجديدة، في ظل مرجعية أنه تم الخلاص من نظام الأسد وهذا هو الأهم" وفق قوله.
ولايستبعد حمادة وجود تأثير إيراني في سوريا اليوم، لكنه سوف يتلاشى يوماً بعد يوم، "بعدها سيفقد الإيرانيون الأمل بالعودة إلى سوريا وإلى لبنان بشكل مختلف عما كان".
والأهم، وفقا لحمادة، أنه كلما أحرز الحكم الجديد في سوريا خطوات إلى الأمام في المصالحة والحل السياسي الشامل والحوكمة الرشيدة، كلما تراجع تأثير إيران. وشيئاً فشيئاً يتلاشى تأثيرها، وبالتالي يمكن اختصار حال إيران اليوم بأنها "تبكي على الأطلال"وفقا للمحلل السياسي حمادة.