وزير الخارجية الإيراني: عُمان ستستضيف الجولة الثانية من المفاوضات لكن قد تعقد في مكان آخر

logo
العالم

"معاداة السامية" تهدد "المجنّسين" في ألمانيا.. عقدة تاريخية أم مصالح سياسية؟

"معاداة السامية" تهدد "المجنّسين" في ألمانيا.. عقدة تاريخية أم مصالح سياسية؟
سيدة تلوح بعلم إسرائيل خلال فعالية بألمانياالمصدر: رويترز
02 أبريل 2025، 2:16 م

يعكف التحالف المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا على إعداد ورقة تفاهمات لتشكيل حكومة ائتلافية، وسط انقسامات وتجاذبات حادة حيال عدة ملفات وقضايا، بينها مسألة "معاداة السامية" التي غدت ورقة انتخابية، ومحورا أساسيا في نقاشات الأحزاب.

ووفقا لتقارير الصحافة الألمانية، فإن قضية "معاداة السامية" احتلت جانبا مهما من نقاشات الطرفين، رغم أن هذه المسألة قد تبدو هامشية قياسا إلى تحديات وملفات أكثر تعقيدا تنتظر الائتلاف الجديد الذي من المقرر أن يرى النور منتصف الشهر الجاري.

دلالة المصطلح

يشير مصطلح "معاداة السامية" في أحد أبسط تعاريفه إلى "رفض اليهود ومعاداتهم"، وهي تعد جريمة يعاقب عليها القانون في الدساتير الألمانية التي تؤكد "حرية العبادة".

المصطلح، الذي استخدمه الباحث  الألماني فيلهم مار للمرة الأولى لوصف موجة العداء لليهود في أوروبا في أواسط القرن التاسع عشر، يعود للواجهة هذه الأيام مع مفاوضات تشكيل الائتلاف الذي سيحكم البلاد لأربع سنوات قادمة.

وبحسب ما تسرب من المفاوضات، فإن مسألة "معاداة السامية" لم تعد مجرد مسألة قضائية وجنائية يمكن أن تبت فيها المحاكم المختصة، بل إن التحالف المسيحي (الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري) والحزب الاشتراكي الديمقراطي توصلا إلى صياغة بند مثير للجدل "يتيح إمكانية سحب الجنسية الألمانية من داعمي الإرهاب ومعادي السامية والمتطرفين".

ورغم تعقيدات تطبيق مثل هذا البند، خصوصا بحق من لا يملك جنسية ثانية إلى جانب الألمانية، فإن هذا الاقتراح أثار شكوكا وانتقادات من قبل بعض النخب السياسية التي رأت أن مثل هذا البند يكرس لنوع من "التمييز والعنصرية".

امتياز أم اختبار؟

ورأت النخب أن منح الجنسية الألمانية للمهاجرين والأجانب الذين حققوا اندماجا، وفق المعايير المتبعة في البلاد، لم يعد، في ضوء هذا البند، امتيازا، بل يتحول إلى نوع من الاختبار، إذ على الشخص المجنّس أن يثبت على الدوام بأنه ليس من معادي السامية، وإلا فإن جنسيته الألمانية مهددة.

وصدرت انتقادات حتى من  الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف المنتظر، ومن بينهم عمدة مدينة بريمن الذي قال لمجلة دير شبيغل إنَّ الرسالة الموجهة إلى خمسة ملايين شخص يعيشون في ألمانيا ويحملون جواز السفر الألماني "تمثل مشكلة كبيرة حقًا، لأنَّهم يحصلون على انطباع بأنَّ جنسيتهم أقل قيمة وأنَّهم ليسوا من هنا حقًا"، وفق ما جاء في موقع "دويتشه فيله".

أخبار ذات علاقة

إسرائيل تتهم الأمم المتحدة بالتشجيع على الأكاذيب و"معاداة السامية"

 وعلقت نائبة حزب اليسار في البوندستاغ كلارا بونغر، من جانبها، قائلة: "هذا هو بالتحديد ما لا نحتاجه في مجتمع الهجرة. نحن نحتاج إلى قواعد واضحة وأمن قانوني للجميع، وكذلك إلى حقوق متساوية للناس جميعهم في ألمانيا".

وينص الدستور الألماني على أنَّ الدولة لا يحق لها سحب الجنسية الألمانية، ولكن توجد استثناءات منها مثلًا أنَّ مَنْ ينضم كمقاتل إلى جماعة مثل تنظيم "داعش"، المصنف تنظيما إرهابيا في ألمانيا، يمكن فعلًا أن يسحب منه جواز سفره الألماني، ولكن فقط إذا كان لديه جواز سفر ثانٍ.

ويبدو أن التحالف المسيحي وخلال مفاوضاته مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي طالب بتشديد هذه القواعد، ومن هنا ظهر البند المتعلق بمعاداة السامية.

ونقل موقع "دويتشه فيله" عن إيلاد لابيدوت، أستاذ الدراسات اليهودية في جامعة ليل الفرنسية، قوله: "هذا الأمر يتعلق باستبعاد مجموعات معينة، أشخاص من الدول العربية أو الإسلامية"، ذلك أن عدم الاعتراف بحق  الشعب اليهودي في تقرير مصيره يعد معاداة للسامية، كذلك وصف إسرائيل بأنَّها "مشروع عنصري" يندرج ضمن البند ذاته، ومن المعروف أن غالبية مثل هذه الانتقادات تظهر خصوصا من أشخاص ينحدرون من أصول عربية وإسلامية.

وما يعزز قلق المنتقدين هو أنه لا يزال من غير الواضح من الذي يقرر في النهاية إن كان شخص ما "معاديًا للسامية" ومن الممكن حرمانه من الجنسية، خصوصا مع تداخل المصالح السياسية والحسابات الحزبية في القضية، فضلا عن التفسيرات القانونية الغامضة.

الماضي النازي

ورغم ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن تدفق عشرات آلاف اللاجئين من جغرافيات وبلدان مختلفة إلى ألمانيا، في السنوات الأخيرة، دفع هذه الظاهرة إلى أن تطل برأسها، وعززت ذلك، في الآونة الأخيرة، حرب غزة.

  وكان رئيس المجلس الأعلى لليهود في ألمانيا جوزيف شوستر قد حمّل، في تصريحات سابقة، المساجد الإسلامية مسؤولية بروز هذه الظاهرة، إذ أكد أنه "لا يزال هناك الكثير من المساجد في ألمانيا التي لا تعيش وفق القيم الغربية، وتتم فيها الدعوة إلى كراهية اليهود وإسرائيل"، حسب زعمه.

أخبار ذات علاقة

كوشنير: الحرب غير المتكافئة في غزة تغذي "معاداة السامية" بفرنسا

بينما يلاحظ مراقبون أن جماعات يهودية في أوروبا تاجرت بـ"المحرقة اليهودية" (الهولوكوست) التي حدثت في أثناء الحقبة النازية، وحولتها إلى ورقة سياسية لجلب الدعم لإسرائيل، علما أنه يوجد في ألمانيا نحو 200 ألف يهودي.

ولا يقتصر الحذر من تفشي "معاداة السامية" على المسلمين فحسب، بل كذلك تنتشر الظاهرة لدى الأوساط اليمينية الألمانية التي نشطت في السنوات الأخيرة.

ويمثل هذا الاتجاه اليميني حزب "البديل من أجل ألمانيا"، الذي أسس سنة 2013، وبدأ رصيده بالارتفاع، إذ حصل في الانتخابات الأخيرة التي جرت في فبراير/ شباط الفائت على أكثر من 20% من أصوات الناخبين على مستوى البلاد، ليحل في المرتبة الثانية بعد التحالف المسيحي الذي نال نحو 28% من الأصوات.

ورغم أن مناصري هذا الحزب لا يعبرون بشكل معلن عن معاداتهم للسامية، غير أن دراسة أكاديمية سابقة أشارت إلى "أن 20 في المئة من الألمان على الأقل لديهم معاداة "كامنة" لليهود"، وهي نسبة تطابق نسبة الأصوات التي حصل عليها "البديل".

ويرى خبراء أن "معاداة السامية"، التي تتمتع بحساسية عالية في وجدان الألمان، نابعة، أساسا، من ماضيها النازي، الذي اضطهد اليهود وأرسلهم إلى المحارق وأفران الغاز.

ويضيف الخبراء بأن برلين تجد نفسها دائما في مواجهة الماضي الجريح، وعقدة الذنب التاريخية، فتحاول التكفير عنه بإظهار الدعم لإسرائيل، وتجريم "معاداة السامية" دون أن تغفل عن "المصالح السياسية" التي توجه، غالبا، بوصلة الدول في هذا الاتجاه أو ذاك.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC