يرى خبراء أن سوريا تواجه تحديًا استراتيجيًّا يتمثل بالتصعيد الإسرائيلي المتواصل في الجنوب، وسط غياب القدرة العسكرية للرد، إذ إنه بعد سنوات من الضربات الممنهجة، أصبحت دمشق في موقف دفاعي "هش"؛ ما يدفعها إلى نهج "امتصاص الصدمة" لتجنب تصعيد أوسع، خاصة مع الانقسامات الداخلية.
ويقول الخبراء إن هذا الواقع هو نتيجة سياسة إسرائيلية ممنهجة استهدفت البنية العسكرية السورية، مستغلة حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني داخل البلاد.
ويشير الخبراء إلى أن استمرار الانقسام الداخلي يعزز مصالح إسرائيل، التي تسعى إلى فرض واقع جديد في المنطقة دون الحاجة إلى تدخل عسكري واسع.
وفي ظل توازنات إقليمية معقدة، وفق الخبراء، يبقى السؤال: ما خيارات سوريا المقبلة؟
وأكد المتخصص في الشؤون العسكرية، عبدالله سليمان، أن الخيارات المتاحة أمام السلطات الانتقالية في سوريا لمواجهة التصعيد الإسرائيلي محدودة للغاية، إن لم تكن شبه معدومة، وذلك نتيجة الضربات المكثفة التي استهدفت البنية العسكرية السورية منذ سقوط النظام السابق ووصول السلطة الحالية.
وأوضح في حديثه لـ "إرم نيوز" أن إسرائيل نجحت في تدمير نحو 90% من العتاد العسكري ومستودعات الأسلحة وأنظمة الدفاع الجوي في سوريا؛ ما وضع دمشق في موقف عسكري هش لا يسمح لها بأي قدرة على المواجهة الفعّالة.
وأضاف أن سوريا أصبحت بلا "مخالب" عسكرية، وغير قادرة على اتخاذ أي إجراءات فعّالة للرد على الهجمات الإسرائيلية، مشيراً إلى أن محافظ دمشق السابق أقرّ بذلك عندما قال: "لا نستطيع أن نكون ندًّا لأحد"، مشيرًا إلى أن هذا التصريح يعكس الواقع السوري بدقة.
وأشار سليمان إلى أن التصعيد الإسرائيلي الحالي لا يقتصر على عمليات عسكرية معزولة، بل هو جزء من مخطط واسع لإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط، يقوده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث تُعتبر سوريا عنصراً أساسياً في هذا المخطط.
ولفت إلى أن هناك تفويضاً دولياً يمنح إسرائيل حرية الحركة في تنفيذ مشروعها الهادف إلى إعادة رسم التوازنات في المنطقة، بما في ذلك إعادة تشكيل الخريطة السورية وفقاً لرؤية تل أبيب.
وأكد أن القيادة السورية، عملياً، غير قادرة على اتخاذ أي خطوات لمواجهة التصعيد الإسرائيلي، وأنه ليس من مصلحتها الدخول في مواجهة مباشرة، نظراً لاختلال ميزان القوى بشكل واضح.
وأشار إلى أن إسرائيل تعتبر السلطات الجديدة في دمشق قد "استولت على الحكم"، وتستخدم هذه الرواية كذريعة لتمرير مخططاتها، بزعم وجود جهات إرهابية على حدودها تهدد أمنها؛ ما يمنحها مبرراً لاستمرار تدخلاتها العسكرية في سوريا.
من جانبه، يرى الباحث والمحلل السياسي أمجد إسماعيل الآغا أن استمرار التصعيد الإسرائيلي في الجنوب السوري يضع دمشق أمام معادلة صعبة، حيث فقدت القدرة العسكرية على الرد، بعد سنوات من الحرب التي استنزفت مواردها الدفاعية بشكل كبير.
وأضاف لـ "إرم نيوز" أن القيادة السورية ستكون مضطرة لتبني استراتيجية "امتصاص الصدمة" لتقليص الخسائر، مع تجنب تصعيد الوضع إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، وذلك حفاظاً على الحد الأدنى من الاستقرار الداخلي، خصوصاً في ظل الأولويات الأمنية والاقتصادية الأكثر إلحاحاً.
وأشار إلى أن التحدي الأكبر الذي تواجهه سوريا لا يقتصر على التصعيد الإسرائيلي فحسب، بل يشمل أيضاً ضرورة إعادة ترتيب البيت الداخلي، إذ تعاني البلاد انقساماتٍ سياسية وعسكرية تجعلها عرضة لأي تهديدات خارجية.
وأوضح أن إسرائيل تدرك تماماً أن استمرار حالة عدم الاستقرار الداخلي في سوريا يخدم أهدافها دون الحاجة إلى تدخل عسكري واسع. ولذلك، فإن أي جهد سوري لمواجهة التهديدات الخارجية يجب أن يبدأ أولاً بتعزيز التماسك الوطني وإعادة توحيد الصفوف داخلياً، وهو ما يشكل التحدي الأكبر في ظل الظروف الحالية.
وأكد الآغا أن ما هو مطلوب من سوريا في هذه المرحلة لا يقتصر على احتواء التصعيد الإسرائيلي فحسب، بل يجب أيضاً العمل على استراتيجية طويلة المدى لاستعادة مقومات الدولة، وهو أمر يصعب تحقيقه في المستقبل القريب أو المتوسط.
وقال إن الواقع الحالي يفرض على دمشق البحث عن تحالفات أقوى، واستخدام الوسائل الدبلوماسية للحد من الاعتداءات الإسرائيلية، بالتوازي مع جهود إعادة بناء الدولة من خلال إصلاحات سياسية وإعادة إعمار حقيقية. وأشار إلى أن استمرار الوضع الراهن سيجعل سوريا ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية والدولية دون القدرة على فرض معادلة ردع حقيقية.