أكد خبراء عسكريون أن التداخلات الحدودية بين لبنان وسوريا تعدّ من القضايا المعقدة التي تظل تؤثر بشكل كبير على الاستقرار الإقليمي.
فإلى جانب التاريخ الطويل من النزاعات والخلافات حول ترسيم الحدود، تواجه هذه المسألة تحديات سياسية وأمنية كبيرة، ما يجعل حلها أمرًا بعيد المنال.
ومع استمرار الأزمات الإقليمية في سوريا وتعدد القوى الفاعلة على الأرض، تزداد الصعوبة في تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بالحدود، ما يخلق حالة من التوتر المستمر بين البلدين ويؤثر على الوضع الأمني والاقتصادي في المنطقة.
وتفاقمت هذه المشكلات بفعل التداعيات الإقليمية والصراعات المستمرة، حيث ساهم عدم الاستقرار في سوريا منذ عام 2011 والانقسام السياسي اللبناني في إعاقة تطبيق القرارات الدولية الخاصة بترسيم الحدود ونزع السلاح، ما خلق وضعًا ميدانيًا أكثر تعقيدًا.
وسط هذا المشهد المضطرب، تبرز إشكاليات سياسية وميدانية تتعلق بنفوذ الميليشيات المسلحة المدعومة إقليميًا ودوليًا، إلى جانب التحديات الاقتصادية والأمنية التي جعلت من قضية ترسيم الحدود أمرًا ملحًا، ولكنه صعب التطبيق دون استقرار سياسي شامل.
وفي هذا السياق، قال المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل)، العميد منير شحادة، إن مشاكل الحدود بين لبنان وسوريا معقدة وقديمة جدًا، ولم تُرسّم بالكامل منذ عشرينات القرن الماضي، مضيفًا أن "الترسيم تعبير تقني صحيح".
واستشهد شحادة، في حديثه لـ"إرم نيوز"، بتجربة ترسيم الحدود الجنوبية بين لبنان وفلسطين، التي تم تحديدها عام 1923 بموجب اتفاقية بوليه نيوكومب، ثم أُعيد التأكيد عليها في اتفاقية الهدنة عام 1949، على عكس الحدود مع سوريا التي ما زالت تفتقر إلى ترسيم كامل.
وأشار إلى أن هناك 149 نقطة معروفة ومثبتة على الأرض منذ عام 1949 تضبط الحدود بين لبنان وفلسطين، بينما توجد 27 نقطة خلافية غير مرسمة بين لبنان وسوريا تمتد من مزارع شبعا في الجنوب إلى منطقة العريضة في شمال لبنان، وهو ما نشأ بسبب غياب الترسيم الكامل للحدود منذ عشرينيات القرن الماضي.
وأكد أن سيطرة سوريا على لبنان منذ دخول القوات السورية عام 1976، في عهد حافظ الأسد، وحتى تراجع النفوذ السوري مع انهيار النظام السوري في عهد بشار الأسد، حالت دون معالجة هذه الأزمة الحدودية.
بيّن شحادة أن هذا الوضع منع السلطات اللبنانية من التفاوض الجدي حول ترسيم الحدود أو معالجة الخلافات الحدودية العالقة، وأشار إلى أن التوصل إلى حل قد يكون ممكنًا في المستقبل عندما تستقر الأوضاع في سوريا، حيث قد تتفرغ السلطات السورية لمعالجة هذا الملف العالق.
وبحكم عمله كمنسق للحكومة اللبنانية لدى قوات الطوارئ الدولية، أوضح شحادة أن لبنان جاهز للترسيم، ولديه المستندات اللازمة التي جمعها الجيش اللبناني، وأن ملف الحدود كان بعهدته، وهو على دراية بالمستندات المطلوبة لحل الإشكاليات الحدودية الممتدة من مزارع شبعا إلى الشمال اللبناني.
ومن جانبه، أشار الخبير العسكري والأمني، العقيد الركن خالد المطلق، إلى أن القرار الأممي رقم 1680، الصادر عام 2006، قد يشكل جزءًا من الحل، لكنه يواجه تحديات عملية كبيرة.
وأضاف أن عدم الاستقرار السياسي والأمني في كلا البلدين يعوق تنفيذ هذا القرار أو غيره من القرارات الدولية.
وبيّن، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن الوضع السياسي في لبنان معقد بسبب الانقسامات الداخلية والتدخلات الإقليمية والتوترات الطائفية، مما يخلق بيئة غير ملائمة لتنفيذ القرارات الدولية، بما في ذلك القرار 1680.
أما في سوريا، فقال المطلق إن الأوضاع ازدادت تعقيدًا منذ اندلاع الحرب عام 2011، ما أدى إلى تدهور الأوضاع الأمنية وانتشار الجماعات المسلحة.
وأشار المطلق إلى أن نزع سلاح الميليشيات يُعتبر تحديًا كبيرًا، نظرًا لوجود جماعات مسلحة ذات نفوذ كبير، بعضها يحظى بدعم إقليمي ودولي ويعتبر نفسه جزءًا من النسيج السياسي والاجتماعي اللبناني.
كما أن انتشار السلاح بشكل واسع يشكل جزءًا من المشكلة، في ظل استمرار تدهور الوضع الأمني على جانبي الحدود اللبنانية السورية.
وأكد المطلق أن لبنان وسوريا يشتركان في حدود طويلة ومتشابكة جغرافيًا، ما يجعل لبنان عرضة للتأثيرات السلبية الناتجة عن عدم الاستقرار في سوريا، مثل تدفق اللاجئين إلى لبنان وزيادة التوترات الأمنية وتفاقم الأزمات الاقتصادية.
وختم بأن القرار 1680 يمكن أن يكون جزءًا من الحل، لكنه ليس كافيًا بمفرده، إذ يتطلب الوضع جهودًا دولية مكثفة ودعماً قوياً من المجتمع الدولي، وإرادة سياسية حقيقية من الأطراف المعنية، إلى جانب معالجة جذرية للوضع الإقليمي لضمان استقرار الحدود ومعالجة التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه البلدين.