وزير خارجية فرنسا: المجال أمام إبرام اتفاق نووي مع إيران بات محدودا
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تحقيق لها، وثائق وشهادات تكشف الشراكة الخفية بين كييف وواشنطن، وكيف غيّرت مجرى أعنف حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وأوضح التقرير مسارات الحرب وقصة التدخل الأمريكي الوثيق، منذ بداية دخول القوات الروسية للأراضي الأوكرانية، وما آلت إليه أمور التحالف السري.
في فيسبادن.. بدأت الحكاية
في أحد صباحات ربيع 2022، تسللت قافلة سرية من العاصمة الأوكرانية كييف، تقل جنراليْن بارزيْن يرتديان ملابس مدنية، متجهة غربًا نحو بولندا.
كانت الرحلة تحت حماية كوماندوز بريطاني، وعلى متن طائرة C-130 توقفت في مطار رزيسزو-ياسيونكا، أقلعت القافلة نحو مقر قيادة الجيش الأمريكي في أوروبا – قاعدة كلاي كاسيرن في مدينة فيسبادن الألمانية.
لم تكن الزيارة رسمية، بل كانت بداية لشراكة عسكرية واستخباراتية غير معلنة بين كييف وواشنطن، ستبقى طيّ الكتمان لسنوات، وتشكل العمود الفقري لمقاومة أوكرانيا أمام جيوش روسيا الجرارة.
من صالة رياضية إلى غرفة عمليات
تحولت قاعة "توني باس"، التي كانت مخصصة في السابق لعروض الكشافة والاجتماعات الرياضية، إلى غرفة عمليات متقدمة لإدارة الدعم الغربي.
هناك، التقى الجنرال الأوكراني ميخايلو زابرودسكي بالجنرال الأمريكي كريستوفر دوناهو، قائد الفيلق الثامن عشر المحمول جوًا.
العرض الأمريكي كان واضحًا: شراكة كاملة في التخطيط والاستخبارات والتكتيك.
كانت هذه الشراكة، التي أحيطت بسرية بالغة، جوهر الاستراتيجية الأمريكية لمنع انهيار النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية.
ما وراء الستار
على مدار الأشهر التالية، تطورت الشراكة لتتجاوز الدعم المادي.
فداخل غرف العمليات في فيسبادن، كان ضباط أمريكيون يخططون جنبًا إلى جنب مع نظرائهم الأوكرانيين للضربات العسكرية، ويحددون أهداف الهجمات، ويحللون صور الأقمار الصناعية، ويوجهون ضربات دقيقة باستخدام أنظمة HIMARS وصواريخ ATACMS.
وكشفت صحيفة نيويورك تايمز، في تحقيقها الاستقصائي، أن أمريكا كانت منخرطة في الحرب بدرجة أعمق بكثير مما صُرح به رسميًا، إلى درجة أن مسؤولي استخبارات أوروبيين وصفوا ذلك بأن "الناتو أصبح شريكًا فعليًا في القتال".
النجاح.. ثم التصدع
في العام الأول، حققت الشراكة نتائج مذهلة؛ مئات الضربات الناجحة على مواقع روسية حساسة، استنزاف في الأرواح والعتاد، وتقدم ميداني مهم.
إلا أن الشراكة بدأت تتعرض لتوترات متزايدة بسبب التفاوت في الرؤى.
الأمريكيون أرادوا استراتيجية محسوبة، أما الأوكرانيون فكانوا يسعون إلى "نصر ساحق".
وفي لحظات مفصلية، اختارت كييف تجاهل النصائح الأمريكية، كما حدث في معركة باخموت التي تحوّلت إلى رمز لاستنزاف أوكرانيا بدلاً من أن تكون نصرًا حاسمًا.
القرار السياسي يسبق القرار العسكري
في أكثر من مناسبة، أثرت حسابات داخلية على مسار المعركة.
فالرئيس زيلينسكي سعى لتحقيق نصر عسكري قبيل ظهوره في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مما أدى إلى تسريع الهجوم على خيرسون خلافًا لما خطط له القادة العسكريون في فيسبادن.
ونتيجة لذلك، أخل الروس بموازين القوى، مما أفشل الحملة.
برد القمر وصواريخ HIMARS
أثبت نظام الصواريخ الأمريكي HIMARS فعاليته في تقويض الخطوط الروسية، بفضل التعاون الاستخباراتي في تحديد الأهداف.
كانت كل ضربة تُطلق بعد تنسيق صارم مع فيسبادن.
وفيما أبدت موسكو دهشتها من دقة الضربات، كان ضباط فرقة "دراجون" يعملون من خلف شاشات على بعد 1300 ميل من الجبهة.
ومع تصاعد التوتر في فيسبادن وكييف، برزت مشكلة أعمق؛ من يُقرر أين ومتى تُشنّ الضربات؟ الأوكرانيون أرادوا استهداف شبه جزيرة القرم والعمق الروسي، الأمريكيون حذروا من تجاوز الخطوط الحمراء، خوفًا من رد نووي روسي.
ومع ذلك، تطورت الضربات تدريجيًا، لتشمل أهدافًا داخل روسيا، بدعم مباشر أو غير مباشر من واشنطن، كعملية قصف مستودعات الذخيرة في "توروبتس" أو الحملة الجوية في شبه جزيرة القرم المعروفة باسم "عملية برد القمر".
عام التصدعات الكبرى
في عام 2023 ، انكشف الانقسام بين القيادة الأوكرانية؛ الرئيس زيلينسكي في خلاف علني مع قائده العسكري زالوزني، والتخطيط العسكري يتأثر بالاستقطاب السياسي.
الهجوم المضاد الكبير الذي وعد به التحالف تحول إلى إخفاق مؤلم.
صراعات شخصية، قرارات مرتجلة، ونقص في الذخيرة والرجال، حتى خطة "الرعد المتدحرج" الأمريكية المدروسة فشلت بسبب رفض أوكراني لاعتمادها.
سقوط الرموز
مع بداية 2024، أطاح زيلينسكي بالجنرال زالوزني، في خطوة صدمت واشنطن.
ورغم تعيين الجنرال سيرسكي المفضل لدى الرئيس، فقد تراجعت الثقة، حتى الضباط الأمريكيون الذين قادوا الشراكة منذ أيامها الأولى، كدوناهو وزابرودسكي، غادروا مواقعهم.
وفي ظل ضغوط سياسية أمريكية داخلية متزايدة، وتعليق دعم بقيمة 61 مليار دولار، أصبحت أوكرانيا عالقة بين رغبتها في النصر، وواقع شراكة لم تعد كما كانت.
كسر المحظورات
في صيف 2024، تجاوزت أوكرانيا خطًا جديدًا، شنت توغلًا بريًا محدودًا في منطقة كورسك داخل روسيا، مستخدمة أسلحة ومعلومات مصدرها الحلفاء.
وبينما لم تعلن واشنطن رسميًا دعمها، لم توقف العملية أيضًا، في مؤشر على تعقّد العلاقة وتداخل المصالح.
اليوم، ومع دخول العام 2025، لم تعد أوكرانيا تسعى إلى نصر ساحق، بل إلى البقاء. تُبنى خطوط دفاع، وتُعدّ الألوية من جديد، ويُعاد تقييم الأولويات، أما واشنطن، فتمضي بتردد في دعم عمليات محددة، وسط مخاوف من تحول الحرب إلى استنزاف دائم، في ظل قدوم الرئيس دونالد ترامب، الذي يفضل عقد صفقات مربحة لبلاده مع إنهاء أو تجميد الصراع.
وخلص تحقيق "نيويورك تايمز" إلى أن ما بدأ في فيسبادن كتحالف صلب، تحول اليوم إلى علاقة معقّدة، اختلط فيها الدم بالسياسة، والمصالح بالحدود.