الأمن السوري يضبط شحنة مخدرات قادمة من الجانب اللبناني في سرغايا بريف دمشق
في غفلة من الزمن، واستغلالاً لفراغ اللحظة، أطلق الجيش الإسرائيلي أكبر عملية عسكرية في سوريا منذ نصف قرن.. أهدافها لم تقف عند الضربات المكثفة لكامل الجغرافيا السورية، بل تعدّت ذلك لاجتياح بريٍّ واحتلالٍ لعشرات الكيلومترات من الأراضي السورية.
الجولان السوري في عمق العاصفة، وسط تصعيد إسرائيلي وتحولات جذرية في سوريا الجديدة.
كيف بدأت العاصفة؟
استغلت تل أبيب انهيار النظام السوري لقلب التوازنات على الأرض، فخرق الجيش الإسرائيلي اتفاقية "فك الاشتباك" الموقعة عام 1974 في جنيف، معلناً تشكيل منطقة عازلة جديدة ضمن الأرضي السورية بدعوى منع تسلل الفصائل المسلحة وحماية الجولان.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صرّح بالعبرية بأن الاتفاقية انهارت بتخلي الجنود السوريين عن مواقعهم، وأوعز للجيش بالاستيلاء على المنطقة العازلة والمواقع المجاورة"، لكنه في بيان بالإنجليزية أشار إلى أن السيطرة "إجراء مؤقت" لضمان عدم تمركز أي قوة معادية على الحدود.
في الأثناء، قامت المقاتلات الإسرائيلية بضرب أكثر من 300 موقع وقاعدة عسكرية سورية، وتدمير جميع أسراب الطائرات والسفن الحربية في مواقعها، في عملية سمّتها "سهم باشان"..
وعلى مدى أيام، استطاعت إسرائيل تدمير أكثر من 80 بالمئة من الأصول العسكرية التابعة للجيش السوري، وفقاً لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية، وحوّلت سوريا لدولة منزوعة السلاح تقريباً.. وبهذا تكون تل أبيب حققت هدفاً استراتيجياً وبسرعة فائقة لم يكن حتى في أحلام ساستها.
في حين قالت مصادر أمنية إن توغل إسرائيل العسكري في جنوب سوريا وصل إلى نحو 25 كيلومترا إلى الجنوب الغربي من العاصمة دمشق.
وأظهرت الخرائط سيطرة الجيش الإسرائيلي على قمة جبل الشيخ وعدد من القرى والبلدات داخل المنطقة منزوعة السلاح بعمق يصل إلى 18 كيلومترا داخل الأراضي السورية.
الجولان..حجر الزاوية في الأمن القومي الإسرائيلي
تعتبر إسرائيل مرتفعات الجولان إحدى أبرز ركائز أمنها القومي لما تتمتع به من أهمية استراتيجية فريدة؛ فالجولان يطل على منطقة الجليل الإسرائيلي ويؤمّن ثلث مياه إسرائيل عبر بحيرة طبريا؛ مما يجعله قلباً حيوياً للمصادر المائية.
الهضبة الصخرية التي يتراوح ارتفاعها بين 1000 و1200 متر ليست فقط موقعاً جغرافياً مميزاً، بل تمنح إسرائيل مزايا دفاعية هائلة؛ إذ توفر المرتفعات رؤية كاملة لمناطق واسعة بما في ذلك دمشق على بعد 60 كيلومترا فقط، مما يسمح بمراقبة كل تحركات العدو من البحر الأبيض المتوسط غرباً إلى الجليل شرقاً.
أما جبل الشيخ القمة الشمالية للجولان، فقد أطل منه رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه في حالة من الفرحة العارمة واصفين اللحظة بأنها تاريخية وفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت".. "كل متر في دمشق مرصود من جبل الشيخ"، كلام يختصر أهمية هذا الموقع الذي يعد نقطة استراتيجية لا تقدر بثمن بارتفاع يصل إلى 2814 مترا، والتي قد تكون وفقاً لتقرير نشره موقع CNN واحدة من "أكثر المكاسب ديمومة"لتل أبيب.
فالسيطرة على جبل الشيخ عززت القدرات الاستخباراتية لإسرائيل التي تخطط لنصب نظام رادار للإنذار المبكر يمكنها من جمع معلومات إلكترونية معمقة في الأراضي السورية.
وبحسب موقع "qactus" الفرنسي، أصبح لدى تل أبيب الآن مركز مراقبة أمامي قادر على مراقبة التحركات الجوية والعسكرية على مساحة شاسعة، ويُعد هذا الإجراء جزءاً من استراتيجية أوسع لفرض هيمنة أمنية شاملة على المنطقة.
أما القرب الجغرافي من دمشق فيعزز قدرات الردع الإسرائيلي، إذ يضع العاصمة السورية في متناول القوات العسكرية الإسرائيلية مما يجعلها في موقع قوة في أي مواجهة محتملة.
زيادة الاستيطان لفرض الهيمنة
بعد أسبوع فقط من السيطرة الإسرائيلية على جبل الشيخ وإلغاء اتفاق فك الاشتباك والتوغل في الأراضي السورية، وافقت تل أبيب على زيادة عدد سكانها في الجولان المحتل إلى المثلين، قائلة إن التهديدات التي تواجهها من سوريا لا تزال قائمة رغم النبرة المعتدلة لقادة قوات المعارضة الذين أطاحوا بالرئيس بشار الأسد، وفق ما نقلت وكالة «رويترز» للأنباء.
في حين ذكر نتنياهو، في بيان، أن "تقوية الجولان هي تقوية لدولة إسرائيل، وهي مهمة على نحو خاص في هذا التوقيت سنواصل التمسك بها وسنجعلها تزدهر ونستقر فيها".
وقال مكتب نتنياهو إن الحكومة وافقت بالإجماع على خطة تزيد قيمتها على 40 مليون شيقل (11 مليون دولار) لتشجيع النمو السكاني في هضبة الجولان.
ردود الفعل الدولية.. بين الإدانات والمصالح
رغم التحركات الإسرائيلية الجريئة في سوريا، تتباين المواقف الدولية تجاه ما يحدث، فبينما أدانت الدول العربية التصعيد الإسرائيلي باعتباره انتهاكاً للسيادة السورية، تتخذ القوى الكبرى مواقف أكثر غموضاً.
وفي حين ترفض الأمم المتحدة رسمياً أي تغيير في وضع الجولان كأرض محتلة، فإن إسرائيل تراهن على دعم القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، خاصة في عهد ترامب الجديد، الذي اعترف بسيادة تل أبيب على الجولان في 2019 مما وفر لها غطاءً دبلوماسياً لمواصلة خططها.
وبين الإدانات والمراهنات، يبدو أن الجولان لن يغيب عن المشهد قريباً، فالتحركات الإسرائيلية تشير إلى نوايا خطيرة لتعزيز مكاسبها الاستراتيجية، بينما تأمل سوريا وداعموها الإقليميون استعادة زمام المبادرة.. وبين هذا وذاك تبقى مرتفعات الجولان شاهداً على أحد أعقد النزاعات في الشرق الأوسط.