قصف إسرائيلي على مناطق بشمال وجنوب قطاع غزة
عصام العبيدي
أكد الدبلوماسي العراقي، السابق غازي فيصل، أن العراق يقف اليوم أمام تحديات كبيرة تتطلب إصلاحات جذرية تعيد هيكلة النظام السياسي، وتعالج ملفات الفساد والمحاصصة الطائفية وتنهي حكم الميليشيات المسلحة، التي عاثت في الأرض فسادًا.
وأضاف فيصل، وهو سفير العراق السابق لدى فرنسا، ورئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، في حوار مع "إرم نيوز"، أن "المشهد الإقليمي يشهد تغيرات دراماتيكية تهدف إلى تقليص النفوذ الإيراني، لا سيما بعد التطورات الأخيرة في غزة ولبنان وسوريا، ما يفرض على العراق إعادة ترتيب أولوياته الوطنية لمواكبة هذه التحولات".
وأشار فيصل إلى أن "الولايات المتحدة وحلفاءها يسعون لإضعاف الفصائل المسلحة المدعومة من إيران في العراق"، معتبراً أن "هذا النفوذ يمثل عائقاً أمام بناء دولة موحدة ومستقرة".
وتاليا نص الحوار:
ما الذي يحتاجه العراق اليوم في ظل الترقب الحاصل والحديث المتزايد عن التغيير؟
العراق اليوم يواجه تحديات كبيرة تستوجب تغييرات جذرية في بنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فمنذ عام 2005، وبعد إقرار الدستور الجديد، لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من تحقيق تطلعات الشعب بسبب المحاصصة الطائفية والفساد المالي والإداري.
وهذه المحاصصة قوضت أداء المؤسسات، وأدت إلى فقدان ثقة المواطن بالدولة، لذلك فإن الحل يكمن في إصلاح النظام السياسي، وإعادة هيكلته بشكل يعزز روح الدستور، ويحقق المساواة بين المواطنين بعيدًا عن الانقسامات الطائفية والقومية.
إضافةً إلى ذلك، يجب أن يكون التركيز على تلبية المطالب الأساسية للمواطنين مثل توفير فرص العمل، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وضمان السكن الملائم.
ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال بناء نظام ديمقراطي حقيقي قائم على التداول السلمي للسلطة، ومحاسبة المسؤولين الفاسدين، وتقويض الصناديق الاقتصادية التي أصبحت مصدرًا لتوزيع الثروات بين الأحزاب بدلًا من إنفاقها على المشاريع التنموية.
هل نحن أمام نكسة كبيرة لإيران بعد ما حصل لسوريا؟
لا شك أن التغيرات الحالية في الشرق الأوسط تهدف بشكل كبير إلى تقليص النفوذ الإيراني الذي امتد لعقود طويلة عبر دعم الميليشيات المسلحة، والسيطرة على الأنظمة السياسية في دول مثل العراق وسوريا ولبنان، حيث استطاعت إيران في الماضي أن تخلق ما يسمى بـ"الهلال الشيعي" الذي يربط طهران ببيروت عبر العراق وسوريا.
ولكن هذا النفوذ بدأ يتراجع مع الضربات العسكرية والسياسية التي تلقتها الميليشيات الموالية لها في عدة مناطق.
ولتقليص هذا النفوذ، يجب العمل على تفكيك البنية التي تعتمد عليها إيران، مثل الميليشيات المسلحة في العراق وسوريا، إضافةً إلى ذلك، فإن دعم الولايات المتحدة وحلفائها لإعادة بناء الأنظمة السياسية في هذه الدول على أسس ديمقراطية سيكون حاسمًا في مواجهة النفوذ الإيراني.
الأمر يتطلب أيضًا استعادة الدولة لسيطرتها الكاملة على القرارات السيادية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية، وتفعيل جهود دولية مشتركة لإيقاف التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
لكن هل منعت إيران بناء هذه الدول كالعراق وسوريا ولبنان؟
لنأخذ العراق أنموذجاً.. إيران استخدمت الفصائل المسلحة كأداة رئيسة لتعزيز نفوذها في العراق منذ عام 2003، وهذه الفصائل تعمل خارج نطاق الدولة، وتمتلك أسلحة تفوق أحيانًا إمكانيات الجيش العراقي، حيث قدمت إيران لهذه الفصائل الدعم المالي والعسكري واللوجستي، وحوّلت بعض المناطق العراقية إلى قواعد عسكرية تخدم أجنداتها الإقليمية.
وهذه الفصائل لا تسعى فقط إلى السيطرة على مفاصل الدولة، بل تسهم أيضًا في زعزعة استقرارها من خلال عرقلة عمليات الإصلاح، وفرض نفوذها على الحكومة، ومنعها من اتخاذ قرارات سيادية، كما أن ارتباط هذه الفصائل بإيران يجعلها أداة ضغط على الحكومة العراقية، مما يقوض قدرتها على بناء دولة موحدة ومستقرة، لذلك فإن الحل يكمن في تقويض هذه الفصائل ودمج أسلحتها ضمن إطار الدولة، مع تعزيز سيادة القانون.
هل يمكن إنهاء نفوذ الفصائل المسلحة في العراق؟
لا شك أن الحرس الثوري الإيراني كان النموذج الأول الذي استُلهمت منه الفصائل المسلحة في العراق، حيث طورت إيران هذه التجربة لتصبح أداة خارجية تمكّنها من بسط نفوذها الإقليمي، وهي تعتمد على هذه الفصائل لتكون قوة موازية للجيوش النظامية، و في العراق، استُنسخت هذه التجربة من خلال تشكيل فصائل مثل "حزب الله العراقي" و"العصائب" وغيرها.
تتمتع هذه الفصائل بنفوذ سياسي وعسكري كبير، وتمتلك مصانع للأسلحة والصواريخ، وتعمل على تنفيذ أجندات إيرانية في العراق والمنطقة، وهذا الوضع يهدد بشكل كبير الاستقرار الإقليمي، لأن هذه الفصائل تعمل كدولة داخل دولة.
والحل يكمن في إنهاء نفوذ هذه الفصائل وتجريدها من أسلحتها، وإعادة دمجها ضمن مؤسسات الدولة العراقية، وهذا ممكن لو توفرت الإرادة السياسية الحقيقية، كما أن واشنطن تسعى لذلك.
هل نحن أمام مواجهة مباشرة بين طهران وواشنطن ساحتها العراق؟
المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في العراق تحمل مخاطر كبيرة على استقرار المنطقة بأسرها، والعراق قد يتحول إلى ساحة حرب مفتوحة بين الطرفين، وهو ما سيؤدي إلى تدمير بنيته التحتية، وزيادة معاناة شعبه.
إيران تعتمد بشكل كبير على الفصائل المسلحة لتنفيذ أجنداتها، وفي حال اندلاع مواجهة مباشرة، ستستخدم هذه الفصائل لضرب المصالح الأمريكية في العراق.
على الجانب الآخر، قد تلجأ الولايات المتحدة إلى تنفيذ ضربات واسعة النطاق لتقويض هذه الفصائل، لذلك فإن الحل الوحيد لتجنب هذا السيناريو هو التوصل إلى تسويات سياسية ودبلوماسية تقلل من النفوذ الإيراني وتعزز السيادة العراقية.
العراقيون يترقبون حصول شيء ما بعد أوضاع سوريا.. ما هو برأيك؟
الولايات المتحدة تمتلك الأدوات والقدرة على دعم التغيير في الطبقة السياسية في العراق من خلال الضغط الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية، لكنها تواجه تحديات كبيرة بسبب طبيعة النظام السياسي العراقي.
إصلاح الطبقة السياسية يتطلب دعمًا دوليًا متكاملًا، وإشراك المجتمع الدولي في مراقبة العملية الانتخابية، وضمان نزاهتها، كما أن الولايات المتحدة تحتاج إلى العمل مع حلفائها الإقليميين لدعم جهود الإصلاح في العراق، مع التركيز على تعزيز سيادة القانون ومكافحة الفساد.
هل ستوجه الولايات المتحدة ضربة عسكرية لإيران؟
الولايات المتحدة قد تضيف الخيار العسكري إلى سياستها تجاه إيران، خاصة مع استمرار ما تعتبره واشنطن تهديدات إيرانية متزايدة للمصالح الأمريكية وحلفائها في المنطقة، خاصة وأن الرئيس القادم دونالد ترامب صرّح بأن "كل شيء ممكن"، مما يعكس استعداد واشنطن للنظر في ضربات عسكرية إذا استمرت طهران في سياساتها الحالية.
المخاوف الأمريكية تتمثل في دعم إيران للفصائل المسلحة، واستهداف السفارة الأمريكية والقواعد العسكرية في العراق، إلى جانب تطوير برنامجها النووي.
وفي ظل هذه المعطيات، يبدو أن خيار الضربة العسكرية يبقى قائمًا، لكنه يعتمد على مدى استمرار إيران في تصعيدها، إذ إن الاستراتيجية الأمريكية تهدف إلى تقويض نفوذ إيران إقليميًا وعالميًا، وتحجيم دورها العسكري والسياسي، مع ذلك، يظل قرار الضربة مرتبطًا بحسابات دقيقة لتجنب تصعيد شامل في المنطقة.