يستعد العراق لخوض انتخابات جديدة وسط أجواء مشحونة، حيث تبرز مخاوف من استمرار سيطرة الأحزاب المسلحة على المشهد الانتخابي، رغم القوانين التي تحظر مشاركتها.
وعلى وقع التحديات السياسية والأمنية التي تواجه العراق، تستعد البلاد لإجراء الانتخابات النيابية في أكتوبر/تشرين الأول 2025، وسط جدل مستمر حول نزاهة العملية الانتخابية ومدى قدرة المفوضية على فرض القوانين التي تمنع مشاركة الأحزاب ذات الأجنحة المسلحة.
ورغم التأكيدات الحكومية على توفير بيئة انتخابية آمنة وعادلة، بيد أن النفوذ الواسع للميليشيات المسلحة والضغوط السياسية المتزايدة يثيران مخاوف من تكرار سيناريوهات الانتخابات السابقة، إذ تمكنت أحزاب تمتلك تشكيلات عسكرية من دخول البرلمان رغم وجود قوانين تمنع ذلك.
بدوره، أكد الخبير في الشأن الأمني العراقي، سيف رعد، أن "الانتخابات السابقة في 2018 و2021 شهدت مشاركة أحزاب معروفة بارتباطها بفصائل مسلحة دون أن تواجه أي عوائق حقيقية".
وقال إن "المفوضية، رغم كونها هيئة مستقلة نظريًا، فإنها تتعرض لضغوط سياسية تؤثر في قراراتها، حيث يتم اختيار أعضائها من قبل أحزاب وشخصيات سياسية".
وأوضح لـ"إرم نيوز" أن "استمرار هذه الأحزاب في المشاركة بالانتخابات البرلمانية المقبلة في 2025 يبدو أمرًا مرجحًا ما لم يحدث أي تغيير جذري في البيئة السياسية، وذلك من خلال فرض عقوبات أكثر صرامة وتعزيز استقلالية المفوضية".
وأشار إلى أن "هناك عوامل أخرى تعزز من قدرة هذه الأحزاب على تجاوز القيود، مثل شبكات التمويل والاقتصاديات المرتبطة بالفصائل المسلحة، والتي تمنحها هامشًا واسعًا للتحايل على القانون وتقديم مرشحين بواجهات مختلفة".
ورغم وجود قوانين تمنع الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة من المشاركة في الانتخابات، بيد أن هذه الفصائل تواصل البحث عن طرق للتحايل على هذه القوانين، سواء من خلال تسجيل كيانات جديدة أم الفصل الشكلي بين الأجنحة السياسية والعسكرية.
في المقابل، تواجه المفوضية تحديات كبيرة في فرض قراراتها، خاصة مع النفوذ السياسي والاقتصادي المتزايد لهذه القوى داخل مؤسسات الدولة.
ويحظر على الأحزاب السياسية التي تمتلك أجنحة مسلحة المشاركة في الانتخابات العراقية بموجب قانون الأحزاب السياسية رقم (36) لعام 2015، حيث منعت المادة الثامنة، الأحزاب التي تمتلك أو تدير تشكيلات عسكرية من المشاركة في العملية السياسية.
وتمتلك غالبية الأحزاب (الشيعية) أذرعًا مسلحة، مع احتفاظها في الوقت ذاته بتمثيل سياسي داخل الحكومة والبرلمان، مما يمنحها نفوذًا مزدوجًا بين السياسة والسلاح.
وتعد عصائب أهل الحق من أبرز هذه الجهات، حيث تمتلك فصيلًا مسلحًا بينما تمثلها في البرلمان كتلة "الصادقون"، كما تتبع حركة "حقوق" النيابية، لميليشيا حزب الله، رغم عدم تبنيها لها رسميًا، فضلًا عن منظمة بدر، التي تمتلك جناحًا عسكريًا، وتعد من القوى الفاعلة داخل تحالف "الفتح"، الذي يضم عدة ميليشيات مسلحة تشارك في العملية السياسية.
بدوره، أكد الباحث في الشأن السياسي، محمد التميمي، أن "المفوضية العليا للانتخابات لا تملك القدرة الفعلية على استبعاد الأحزاب ذات الأجنحة المسلحة، رغم وجود أطر دستورية وقانونية تمنع مشاركتها، وذلك بسبب النفوذ الواسع لهذه القوى داخل مؤسسات الدولة".
وأضاف التميمي لـ"إرم نيوز" أن "الأحزاب المسلحة تمكنت من التسلل إلى المشهد السياسي منذ انتخابات 2018، ما جعلها جزءًا مؤثرًا في العملية التشريعية والتنفيذية، الأمر الذي يزيد من صعوبة فرض أي قيود قانونية على مشاركتها"، مشيرًا إلى أن "غياب الإرادة السياسية لدى مؤسسات صنع القرار يشكل العائق الأكبر أمام تنفيذ القوانين".
وتكثف الولايات المتحدة ضغوطها على بغداد للحد من نفوذ الميليشيات المسلحة في الحياة السياسية والاقتصادية، وسط مساعٍ أمريكية لتحجيم دورها وإبعادها عن مؤسسات الدولة.
ويرى مختصون أن هذه التحركات قد تضع الحكومة العراقية أمام اختبار صعب، بين الاستجابة للمطالب الأمريكية أو مواجهة تداعيات سياسية وأمنية داخلية مع القوى المتحالفة مع الميليشيات المسلحة.
بدوره، كشف مسؤول في المفوضية العليا للانتخابات العراقية، أن "هناك إجراءات متبعة لتعقب الأنشطة المسلحة للأحزاب السياسية".
وأشار إلى أن "المفوضية تعمل على مراقبة التزام الكيانات المشاركة في الانتخابات بالقوانين، لكن هذه الإجراءات لا تزال محدودة، إذ تقتصر في الغالب على تفتيش مقار الأحزاب بحثًا عن أسلحة غير مرخصة".
وأضاف المسؤول الذي طلب حجب اسمه، لـ"إرم نيوز" أن "هذه الخطوات غير كافية لضمان نزاهة العملية الانتخابية، خاصة أن بعض الأحزاب تمتلك نفوذًا واسعًا يجعلها قادرة على تجاوز هذه الإجراءات، ما يفرض تحديات كبيرة أمام المفوضية في تطبيق القوانين".