قال خبراء متخصصون في الشأن الفرنسي، إن تحالف حزبَي "فرنسا الأبية" اليساري المتطرف و"التجمع الوطني" اليميني المتطرف، ضد مشروع قانون المالية لعام 2025، خطوة غير تقليدية تعكس الانقسام الحاد داخل البرلمان الفرنسي.
وأوضحوا أن هذا التعاون بين تيارين متناقضين أيديولوجيًا يُبرز مدى الجدل حول التخفيضات الكبيرة في الميزانية، خاصة تلك التي تستهدف تمويلات الجماعات المحلية، مما دفع الأحزاب إلى اللجوء إلى المجلس الدستوري للطعن في القانون.
فهل يشير هذا التحالف إلى تحولات عميقة في المشهد السياسي الفرنسي؟
في خطوة تصعيدية جديدة، أعلن نواب حزبي فرنسا الأبية والتجمع الوطني، أمس الجمعة عن تقديم طعن أمام المجلس الدستوري ضد مشروع قانون المالية لعام 2025، الذي تم اعتماده يوم الخميس.
ومن جانبه، صرح المجلس الدستوري لوكالة الأنباء الفرنسية بأنه سيصدر قراره بشأن الطعن في 13 فبراير/شباط.
ويركز الطعن الذي تقدم به حزب فرنسا الأبية على عدد من المواد المثيرة للجدل، لا سيما تلك المتعلقة بتخفيض التمويلات المخصصة للجماعات المحلية، بالإضافة إلى التعديلات التي تمس إعفاء الضريبة على القيمة المضافة للمقاولين المستقلين، وهي خطوة أثارت استياءً واسعًا، مما دفع الحكومة إلى تعليقها مؤقتًا.
ووفقًا لبيان صادر عن الحزب، فإن "الطعن يستند إلى التخفيضات القاسية والاحتفاظ بالتمويلات المخصصة للجماعات المحلية، والتي تمثل انتهاكًا واضحًا للمبدأ الدستوري المتعلق بالإدارة الحرة للسلطات المحلية".
ومن جانبهم، ركز نواب التجمع الوطني على 4 مواد رئيسة، من بينها تعديل آلية تحديد أسعار الكهرباء النووية وفرض زيادة على الضرائب البيئية الخاصة بالسيارات.
وسيتعين على المجلس الدستوري النظر في هذه الطعون، بالإضافة إلى مراجعة أي تعديلات غير متوافقة مع الدستور، وفقًا للإجراءات المعتادة.
وقال المحلل السياسي في مركز الدراسات السياسية بباريس (CEVIPOF)، برونو كورتريه، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إن "تحالف اليمين واليسار المتطرفين ضد الحكومة في هذه القضية يعكس ضعف الأغلبية البرلمانية وعدم قدرتها على فرض سياسات مالية توافقية".
وأوضح أن هذا النوع من التحالفات، رغم ندرته، قد يصبح أكثر شيوعًا في ظل تصاعد التوترات حول السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
وبدوره، قال الخبير الاقتصادي بيير لومير، الباحث في معهد الاقتصاد الفرنسي (IFE) لـ"إرم نيوز"، إن الطعن في موازنة 2025 يسلط الضوء على قلق متزايد بشأن العدالة الاقتصادية، لا سيما فيما يتعلق بتمويل الجماعات المحلية وآثار السياسات الضريبية على الأعمال الصغيرة.
وأكد أن تعليق الحكومة لبعض القرارات الضريبية يعكس ضغطًا سياسيًا واضحًا من المعارضة.
من جانبها، قالت الخبيرة القانونية شارل بينيزيا، من مركز الدراسات الدستورية (CEC) لـ"إرم نيوز"، إن "المجلس الدستوري لديه صلاحية واسعة في مراجعة مشروعية القوانين المالية، لكن من غير المؤكد أنه سيبطل الإجراءات الأكثر إثارة للجدل".
وأوضحت أن القضية الأساسية هنا هي ما إذا كانت هذه التخفيضات تنتهك حق الجماعات المحلية في إدارة شؤونها بحُرية، وهو مبدأ محمي دستوريًا.
ومن اللافت للنظر أن هذا الطعن وحد صفوف "فرنسا الأبية" و"التجمع الوطني"، اللذين نادرًا ما يجتمعان على موقف سياسي موحد.
وكان رئيس حزب "MoDem" فرانسوا بايرو، الداعم الأساسي لسياسات الحكومة المالية، هدفًا لانتقادات حادة من كلا الحزبين، حيث اعتبره اليسار المتطرف مسؤولًا عن إجراءات التقشف، بينما هاجمه اليمين المتطرف لعدم حماية المصالح الاقتصادية للفرنسيين.
وهذا التوافق غير المتوقع قد يعكس تغيّرًا أعمق في التحالفات السياسية داخل البرلمان الفرنسي، ويفتح الباب أمام جبهات جديدة في المواجهة مع الحكومة.